
فايز سارة
كاتب وسياسي سوري
بوتين المغامر والكذاب!
لم يكن السوريين الوحيدين في قائمة ضحايا عهد الحكم الطويل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وان شكلوا ضحايا التحول الأكثر فجاجة وعنفاً في مراحل حكمه حتى الآن. فقبل السوريين ضمت القائمة بعضاً من شعوب ودول، عاشت عقوداً في النظام السوفياتي الذي ولد وعاش بوتين في ظله، وتربى في أشد مؤسساته قوة وقسوة اعنى جهاز المخابرات الروسية وأمن الدولة (كي جي بي)، وقد جعل منه شخصاً قادراً على التسلل الى مركز القرار في الدولة الروسية، التي تمخضت عنها ظروف انهيار الاتحاد السوفيتي والإمساك بالسلطة وبدء سياسات انتقالية لوقف تدهور الأوضاع الروسية في المجالات كافة، متنقلاً بين منصبي رئيس الوزراء والرئيس قبل أن يستقر في الأخير عقب إجراءات دستورية قام بها.
انطلاقاً من تلك المحطة، بدأ حاكم الكرملين تعامله مع ضحاياه من شعوب ودول الاتحاد السوفياتي السابق سواء من بقي منها في إطار روسيا او صار خارجها، وكان الجوهري في سياسات بوتين فرض سيطرته بطريقة او بأخرى على الجميع من حوله، تارة تحت بند الروابط والمصالح المشتركة، وغالباً تحت عنوان مصالح وتحديات الأمن القومي الروسي، ولم تكن إدارته عاجزة عن اختراع مبرر لسياسات التدخل في شؤون الآخرين على نحو ما فعل في تبرير تدخل روسيا المسلح في سوريا عام 2015 والمستمر حتى الآن تحت مبررات كاذبة في الغالب، تم تجديدها وتغييرها عدة مرات.
لقد تعددت تدخلات بوتين في شؤون الدول والشعوب، وتنوعت، وانتظمت في أشكال، أولها ممارسة الضغوط السياسية والعسكرية على الجوار لربطها بالسياسات الروسية، والثاني التدخل لدعم بعض قادة دول من بقايا النظام السابق سواء من قادة الحزب الشيوعي السوفياتي أو ضباط جهاز المخابرات الروسية وأمن الدولة (كي جي بي) الذين أقاموا تفاهمات مصالح وعلاقات عميقة مع سلطة بوتين في روسيا ومازالوا، والثالث أخذ شكل التدخل العسكري العنيف، وكان الأبرز في اشكاله الحرب الروسية في الشيشان، التي استمرت ما بين عام 1994- 1999، وتمخضت عن كوارث وخسائر كبيرة من الناحيتين البشرية والمادية في الشيشان، وقد كرر بوتين حروبه ضد اشقائه من السوفيات السابقين، فخاض حرباً ضد جورجيا في العام 2008، ثم حرب الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في 2014، قبل ان يفجر حرب 2022 الراهنة ضد أوكرانيا، وقد مهد لها بدفع عناصر منشقة للقيام بحركتي انفصال داخل الجمهورية الجارة، وقام بوتين في الفاصل بين حرب القرم والعدوان على أوكرانيا بتدخل عسكري واسع في سوريا عام 2015 متوجاً عمليات دعمه السياسي والاقتصادي لنظام الأسد وإيران في الحرب على الشعب السوري، وعبر تدخله العسكري دفع القضية السورية في مسارات معقدة من شأنها إطالة عمر الصراع في سوريا وحولها، وزيادة حجم الخسائر البشرية والمادية، وزيادة معاناة السوريين، وتداعيات الصراع على المحيط الإقليمي والدولي.
ومما لاشك فيه، أن التدخلات الروسية في كل أشكالها ومواقعها سواء في شرق أوروبا او في سوريا، لا تستند الى مبررات موضوعية بمقدار ما تستند الى روح المغامرة لدى بوتين الذي حول السلطة في روسيا إلى عصابة مافيا، تجعل مصالحها فوق مصالح الشعب الروسي، وقد تحول الى واحد في قائمة ضحايا سياساتها ومغامراتها ويتحمل نتائجها، المغلفة بتبريرات خادعة وكاذبة طبقاً لما تظهره حقائق ووقائع من بينها، ان دول الجوار الروسي لا تشكل أي خطر ملموس على الكيان الروسي، فقد مررت دول الجوار كل سياسات التدخل الروسي في العقدين الماضيين بما فيها احتلال القرم دون أن تتجاوز حدود عقوبات غربية، استطاعت روسيا التكيف معها واستيعابها بأقل النتائج، بل إن الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة، سكتت بمعنى تأييد التدخل الروسي في سوريا، وكل السياسة التي تابعتها موسكو هناك طوال السنوات السبع الماضية، وهي مستمرة في ذلك، كما سكتت عن علاقات موسكو العميقة مع ايران، بل يمكن القول، ان الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، تركت تركيا العضو في حلف الناتو تحت رحمة الروس، ولم تقدم لها أي دعم او مساعدة، عندما فكرت تركيا، أن تعارض او تحتج على التدخل الروسي في سوريا، الامر الذي يؤكد أن السياسة الغربية إزاء روسيا كما يجسدها حلف الناتو لا تشكل أي خطر راهن على سياسات روسيا وتدخلاتها.
والجانب الآخر فيما يحيط بسياسات ومغامرات المافيا الروسية من حقائق ووقائع، أن روسيا تشكل في امتدادها الجغرافي عبر قارتي أوروبا- أسيا الدولة الأكبر مساحة في العالم، والمالك الأكبر لأكثر ثروات العالم، ولديها قدرات تقنية وعلمية، تجعلها ابعد ما يكون عن السياسات التي تمارسها، والتي لا تجد تفسيراً لها او اسماً سوى المغامرة، والتعدي على الآخرين، واختلاق المبررات، وادعاء المظلومية على نحو ما يفعل مقربون من روسيا مثل ايران ونظام الأسد.
أما الجانب الثالث فيما يحيط بسياسات ومغامرات المافيا الروسية من حقائق ووقائع، فيظهر في سلسلة الأكاذيب والادعاءات، التي تتوالى على لسان القادة الروس شاملة بوتين ووزير خارجيته وجنرالات حربه الذين لا يتورعون عن توزيع الاتهامات للآخرين شاملين في ذلك ليس الأعداء والخصوم فقط، وانما الذين لا يؤيدونهم من حكومات او هيئات او شخصيات، بل هم لا يتورعون في اتهام شعوب في سلوك عنصري واضح ومكشوف.
ان الجوهري في سياسات ومغامرات المافيا الروسية، التي يقودها بوتين، ليس أكثر من إثبات فشلها في إدارة الحياة الروسية بكل امكانياتها وقدراتها الهائلة، والتي تكفي لجعل روسيا عن حق دولة ريادة على مستوى العالم، بل هي إشغال للروس في قضايا أقل أهمية وتأثيراً في حياتهم ومستقبلهم، بدل اشغالهم بالقضايا الحقيقة، وذات التأثير الحاسم لمستقبل افضل، وهي بوابة لتنفيس الاحتقانات الداخلية باتجاه الخارج، وكله يقودنا بالفعل نحو فكرة كم يتشابه الحلفاء مع بعضهم، اذا فكرنا بالحلف الذي يجمع بين ملالي ايران وآل الأسد والمافيا الروسية، التي يتزعمها مغامر كذاب!
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.