
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
محلل سياسي .. من يضبط هذا المجال؟
المحلل السياسي : يدرس المحللون السياسيون المعروفون باسم علماء السياسة كيفية نشوء الأنظمة السياسية وتطورها وعملها, حيث يبحثون ويحللون الأفكار السياسية والاتجاهات السياسية والعلاقات الخارجية والقضايا الاجتماعية وقد يدرس المحللون السياسيون أيضاً الدوافع والثقافات والقيم والتاريخ وعملية صنع القرار وراء السياسات وكيفية تأثيرها على مصالح الدولة أو الأمن القومي لها , فالتحليل السياسي إذن هو مهنة غايتها تنوير الأذهان وتقديم خدمة مجتمعية معرفية مرتكزة أساساً على النزاهة والأمانة العلمية.
مسؤولية المحلل السياسي :
1ـ البحث في الأنظمة السياسية والعلاقات الدولية الخارجية والقوانين واللوائح الحكومية.
2ـ جمع البيانات من مصادر مختلفة مثل الوثائق التاريخية واستطلاعات الرأي العام ونتائجها.
3ـ مراقبة الأحداث السياسية الجارية ( المحلية والدولية ) والتغيرات في السياسات والتشريعات.
4ـ صياغة التقارير والعروض التقديمية ونشرها بكل شفافية ومصداقية حسب الواقع والحقائق .
5ـ مواكبة الاتجاهات والتطورات السياسية المحلية والدولية وإقامة اتصالات ومصادر لفرص البحث, ومن هنا نجد :أن الكم الهائل من المعلومات الواردة كل يوم عن ملفات المنطقة وما يحصل فيها في كل من إيران وتركيا والسعودية وقطر ومصر والسودان وليبيا والعراق ولبنان واليمن وسورية وغيرها, يجعل الإنسان يضيع في متاهات الأحداث ويفقد بوصلة الاتجاه ومن هنا أيضاً تنبع الحاجة والضرورة لوجود أشخاص متخصصين من ذوي الكفاءة والخبرة يستطيعون تحليل الأحداث اليومية بصورة منضبطة وتصنيفها بشكل عملي دقيق يسهل على الناس , بمن فيهم صناع القرار رصد وتوقع مآلاتها, هؤلاء هم المحللون السياسيون, ولكن من المؤسف اليوم نرى بأن هذه المهنة العلمية الراقية قد أصبحت مهنة من لا مهنة له, فكل من هب ودب أصبح يقدم على فضائياتنا العربية كمحلل سياسي أو حتى استراتيجي دون أن يعير القائمون على إعلامنا العربي أي قيمة أو انتباه لحساسية هذه المهنة التي باتت تلعب دوراً هاماً في صناعة الوعي الجمعي وتحريك الرأي العام ولننظر إلى المحلل السياسي التابع لنظام الأسد تراه كيف يبدع بالكذب والنفاق والدجل وكيف يدافع بكل أنواع الخداع والوقائع الغير صحيحة على الأرض محاولاً إقناع المشاهد بأن كلامه هو الواقع والصحيح و المحلل السياسي هو نفسه المدافع عن حزب الله اللبناني وعن المقاومة والممانعة الكاذبة والمدافع عن إيران وروسيا وعما يدور في سورية واليمن والعراق وغيرها من الدول, فهل هناك توصيف مهني في أي من البلدان العربية لهذه المهنة…? أم أنها فعلاً أصبحت مهنة من لا مهنة له…? ومهنة المرشحين المحتملين لمناصب سياسية معينة, ومن ثم فإن إبرازهم على الأقنية الفضائية جزء من عملية التلميع ومحك للولاءات في إطار صناعة الشخص?! مع انتشار الفضائيات العربية عبر مساحة واسعة واحتلال التقارير الإخبارية مساحة كبيرة في حيز عمل هذه الفضائيات, لاهثة وراء معرفة آخر الأحداث ومحاولة التنبؤ بها… إلخ, فدخلت في قاموس حياة المواطن العربي مصطلحات جديدة, من بينها تسميات تطلق على أشخاص من مستويات ثقافية ومرجعيات أيديولوجية متنوعة, يظهرون على الشاشات الفضائية أو المحلية يدلون بآرائهم في قضية ما , وحتى هنا لا يعدو الأمر أن يكون جزءًا من محاولة تتبع الحدث وتغطيته وإنارة جوانبه وتقديمها على شكل وجبة سريعة للمواطن القابع في بيته, والذي لا يملك حولاً ولا قوة فيما يجري من حوله في حالة من السلبية القهرية التي حشر فيها منذ عقود تطول أو تقصر. وفي غالبية الأحيان يحلو لهؤلاء الأشخاص الذين يدلون بآرائهم أن يطلقوا على أنفسهم تسميات على نحو: محلل سياسي, محلل سياسي استراتيجي, عضو مركز الدراسات الاستراتيجية, خبير في المركز القومي للدراسات الاستراتيجية, مفكر استراتيجي سياسي.. إلخ!!! ولكن أن تطلق على هؤلاء تسمية محلل سياسي أو مايشبه ذلك من التسميات فهذا ما يستدعي النقاش, لأن مثل هذه التسميات تستدعي إيحاءات نفسية معينة عند المتلقي, أقلها وهم الحقيقة وقطعية الرأي وحلول سيناريوهات متوهمة مكان الوقائع, والإحساس الخادع بالإسهام في صنع الحدث وامتلاك المعلومة والمصداقية بنقل الخبر ومصداقية المصدر فأكثر المحللين تراه يشد الحبل ويحلل الحدث لصالح الدولة أو الحكومة أو القيادة أو الحزب أو الحركة أو المنظمة التابع لها أو التي يعمل لديها.
أصناف المحللين :
المتتبع للأحداث السياسية يمكنه أن يصنف من يطلق على نفسه محلل سياسي ضمن أصناف ثلاثة :
1- الأول المحلل السياسي الذي يعبر عن رأي نظام ما من الأنظمة السياسية أو يمثل أيديولوجية معينة دون أن يكون في موقع ما ضمن دائرة النظام.
2- الثاني المحلل السياسي بحكم الموقع في مركز أو جهة قد تكون حكومية أو غير حكومية الطابع, وهؤلاء غالبيتهم في أوربا وأمريكا وقلة قليلة منهم في الوطن العربي.
3- الثالث ينتمي لإطار علمي – ثقافي ما امتهن مهنة التحليل السياسي مستمدًا منهجيته من الأطر التي ينتمي إليها, وقد تكون نتاجًا جانبيًا لعمله الأصلي, أي يمكن اعتبارها هواية وقت الفراغ.
4ـ صنف رابع يجمع بين كل هؤلاء بدرجات مختلفة, يضع رجلاً داخل النظام والرجل الآخر خارجه, ويعمل في مركز مستقل ظاهريًا, ومقولب بشدة داخليًا, وينتمي في الوقت نفسه لإطار ثقافي معين, فهو خليط من كل هؤلاء وربما يكون الأخطر من بين هذه الفئات الأربع فإذا عدنا للفئة الأولى فهؤلاء عندما يسألون عن رأيهم بقضية معينة يتبنون ويعبرون عن وجهة نظر جهة معينة ويكررون ما تقوله أجهزة النظام دون زيادة أو نقصان ناقلين بلاغًا رسميًا, ولكن بدلاً من البدء بعبارة صرح مصدر مسؤول يبدؤون بعبارات تشير إلى أن ما يذكرونه هو رأيهم الخاص. وخطورة هذه الفئة تكمن في أنها تدعي الاستقلالية, وأنها تعبر عن آرائها وأن (تحليلها) للموقف ينبع من اعتقادهم الشخصي وهم ليسوا ممثلين للنظام أو متحدثين باسمه, فيوهمون السامع أو المشاهد أو حتى القارئ بأمر ما في حين أن أهدافهم الشخصية أو غير الشخصية تسعى لإيصال أمر مختلف كلية لا علاقة له بالتحليل السياسي للموقف على الإطلاق. وهذه الفئة لا يمكن تسميتها بأي شكل من الأشكال بالمحللين السياسيين, ولا يمكن وصف تحليلاتهم بالتحليلات السياسية بالمعنى العلمي, وهم مجرد ناطقين غير رسميين لبيان رسمي, معتقدين أن عوراتهم التي يخفونها تحت ورقة التوت مخفية من جميع الجهات. وهناك قسم آخر يتبنى أيديولوجية معينة ليست في دائرة النظام ويقوم بتسويقها في تحليلاته للوضع (القائم), وكأنها الحقيقة البديلة التي تمتلك الحل السحري لو أتيحت لها الفرصة لتكون فاعلة ولا يخفى هنا كذلك التضليل الذي تتم ممارسته هنا تحت مثل هذا النوع من التحليلات, حيث تسهم أكثر في حيرة المتلقي بين وهم الأنظمة وسراب الأيديولوجيات, ومما لا شك فيه فإن تحليلات هذا النوع من المحللين هي من نوع التحليلات وحيدة الاتجاه مثلما هو الحال في معلوماتهم ذات الاتجاه الواحد, والنظام أو الأيديولوجية وهي الأهم هنا وليس الفكرة أو الحدث بحد ذاته, فهل هؤلاء محللون سياسيون أم ناطقون إعلاميون شبه رسميين?
أما النوع الثاني من المحللين السياسيين وهم القلة الذين يمارسون مهنتهم بحكم الموقع في مركز أو جهة قد تكون حكومية ( لاستقراء واستنتاج الآخر) أو غير حكومية الطابع, فمن المفترض أن هؤلاء يمارسون عملهم كمهنة تقوم على الاستقراء والاستنتاج, محاولين في عملهم تجميع الكثير من المعلومات المبعثرة وربطها في سياق منطقي, مركزين على الحدث وعلى الأفكار والسياقات المولدة للأحداث. وربما تكون قد نشأت الحاجة إلى هذا النوع من المهنيين في سياقات عدة, حكومية أو غير حكومية. فمن ناحية تحتاج الحكومات والأنظمة في الميادين كافة إلى خبراء متخصصين مؤهلين في تجميع الخيوط المختلفة لسياسة ما أو لحدث من الأحداث من أجل معرفة كيف يفكر الآخر وفهم ما يفكر فيه والتنبؤ به وتحديد البدائل الممكنة, مستندين في ذلك إلى كم من المعلومات التي يتم الحصول عليها بالطرق المشروعة وغير المشروعة وعملها ليس للبيع, ولكنها يمكن أن تشتري المعلومات. أما الجهات غير حكومية الطابع فتمارس عملها لتحقيق أهداف كثيرة تشبه الأولى وتختلف عنها في الوقت نفسه وتحاول تسويق نفسها للذي يدفع لها أكثر بغض النظر عن الجهة, وتعمل غالبيتها في وسائل الإعلام, وقد تكون مستقلة بالفعل أو مستقلة ظاهريًا.
مهنة المحلل السياسي في سد الثغرات :
إن رغبة الإنسان في الحصول على المعرفة ليست محدودة والفضول الذي يدفعه لتقصي الأخبار والأحداث يمثل دافعًا من الدوافع الإنسانية التي تعرف وسائل الإعلام كيفية استغلاله بالشكل الأقصى وتقود الثغرات في المعلومات أو نقص المعرفة عند الإنسان إلى رغبة ملحة في التقصي لسد ذلك التوتر الناجم عن عدم المعرفة ولعل ذلك ينطبق بصورة خاصة على الأحداث العالمية السياسية منها بشكل خاص في عصر الانفجار المعرفي الذي تكاد آثاره تطال كل أرجاء الأرض, فالمحللون السياسيون هم أولئك الأشخاص الذين امتهنوا مهنة سد الثغرات المعرفية في مجالات متنوعة, وتقديمها على صورة عصارة جاهزة لأولئك الراغبين بالحصول عليها, بغض النظر عن الدوافع الكامنة خلف ذلك, أو عن الكيفية التي سيتم فيها توظيف سد هذه الثغرة, وللسياسة سحرها الخاص لما لها من تأثيرات تنعكس على حياة الأفراد بشكل مباشر وغير مباشر, ولما يكتنفها من غموض وحجب للأسرار يجعل الإغراء باختراقها معرفيًا ( أو معلوماتياً ) لا يقاوم, ويعطي ذلك الذي ينجح باستقرائها إحساسًا واهمًا بمشاركته في صنع الحدث لمجرد معرفته به, ويمكن أن نبني على هذا القول أن هناك نوعان أو قسمان من الناس ونتكلم عنهما بكل وضوح.
النوع الأول صانع السياسة : (أو واضع السيناريو التنفيذي), وهؤلاء هم السياسيون وأصحاب القرار المخولون بطريقة ما لرسم سياسة معينة.
النوع الثاني : يتمثل دوره في السماح للفئة الأولى سواء مكرهًا أو عن طريق الانتخاب باتخاذ القرارات ورسم السياسات نيابة عنه, فالمحللون السياسيون أو الإعلاميون بصورة عامة ينتمون للنوع الثاني إلا أنهم قد ينتمون للنوع الأول أحيانًا أو يمثلون الجسر بين القسمين , وبسبب الغموض الذي يكتنف عمل الفئة الأولى فإن مهنة ورغبة الناس في معرفة ما يدور وراء الكواليس واستباق الحدث قبل حدوثه دفعت بعض الأشخاص إلى جعل التحليل السياسي مهنة يمكن استثمارها, وأصبحت مهنة التحليل السياسي يمكن التخصص بها وفق أسس وقواعد معينة, موضوعها الأحداث الماضية الغامضة التي مازال الغموض يكتنفها, والحاضر الذي هو أشد غموضا والتنبؤ بالأحداث المستقبلية, وتسعى هذه المهنة إلى الاستنتاج والاستقراء والتشخيص والتفسير والتنبؤ, إلا أنها ليست صانعة للحدث أو موجهة له ولا تتحمل مسؤولية, سواء سار بهذا الاتجاه أو ذاك, والمحلل السياسي شخص يواجه لغزًا كبيرًا عليه أن يجد الحل له من مجموعة من الوقائع المتناثرة والغامضة والتي لا يتوافر حولها الكثير من المعلومات, ومن مجموعة من التصرفات الشبيهة في الماضي والحاضر إلا أنه قد يكون مشكلاً للوعي ومعدلاً له أو مشوهًا له في دائرة معقدة من التأثيرات المتبادلة ذات آثار بعيدة المدى على الأداء السياسي أو الوعي السياسي للأفراد في بعض المجتمعات.
المحلل السياسي منجِّم بامتياز :
يشبه عمل المحللين السياسيين في الوطن العربي عمل المنجمين في أوجه كثيرة, فالمنجم شخص يقوم برسم قصة متوهمة ويربطها بهذا الواقع لتعطي الوهم بالمصداقية بناء على وقائع قليلة متفرقة, ويقوم أساس الخداع عند المنجمين على القدرة على الإيحاء أي القدرة على التأثير في المتلقي والعمومية في سرد الوقائع والأحداث, وغموض مصدر المعلومات التي تُستقى منه الوقائع, إلى جانب أمور أخرى. والمحلل السياسي هو منجم سياسي لا يتحمل مسؤولية تنجيماته, وتلعب قدرته على الإيحاء دورًا كبيرًا في الإقناع, ويقوم بتصوير خطوط عامة لسيناريوهات محتملة موهمًا أن السيناريو الذي يحدد ملامحه العامة يستند إلى وقائع ملموسة, ويقدم نصائح في بعض الأحيان على أمل أن يتم الأخذ بها . وأما فيما يتعلق بالنوع الثالث من المحللين السياسيين والذي ينتمي لإطار علمي ثقافي ما, وامتهن مهنة التحليل السياسي مستمدًا منهجيته من الأطر التي ينتمي إليها أو يمارس هذا العمل كنتاج جانبي لعمله الأصلي أو ما يسمى بهواية وقت الفراغ ففي كثير من الأحيان يتساءل الإنسان عن الدوافع التي تدفع شخصا ما عرف بأنه أديب أو شاعر ليطلق على نفسه تسمية أديب ومحلل سياسي أو كاتب ومحلل سياسي وكأن التحليل السياسي تخصص في إطار الأدب والشعر أو ما يشبه ذلك ولعل هؤلاء يستغلون مهنتهم الأساسية أصلاً لإضفاء مصداقية الصفة الثانية التي يحلو لهم أن يطلقوها على أنفسهم, وعندما نستمع إلى تحليلات من هذا النوع ونحللها فإننا نصاب بخيبة الأمل لأن بعضهم أدباء أو مفكرون نحترم كتاباتهم ونحترمهم, إلا أن تحليلاتهم تثير الشفقة, إنهم كنجوم السينما والتلفزيون الذين خبا نجمهم فتحولوا إلى مقدمين للبرامج التلفزيونية, يسوّقون أنفسهم استنادًا لماضيهم, إلا أن ماضيهم هذا لن يشفع لهم ويصنع منهم مقدمي برامج ناجحين (أو محللين سياسيين ناجحين إن صح القول), وحبذا لو اكتفى هؤلاء بمهنتهم الأصلية فهم محترمون كفاية في مهنتهم الأصلية وليحتفظوا بتحليلاتهم لأنفسهم أو ليصنعوا منها قصة أو رواية فقد يستطيعون إقناعنا أكثر مع الإشارة إلى أنه ليس كل أديب أو مثقف لن يكون موفقا بالضرورة في تحليلاته السياسية, بل العكس فهو دور مطلوب وعلى المثقف الإسهام في تشكيل الوعي ولكن بعد أن يمتلك أدوات حرفته لا أن تكون نتاجاً جانبياً لعمله وكأنها هواية وقت الفراغ متعديا على أصحاب المهنة الحقيقيين.
المحلل السياسي والاستخفاف بعقل المواطن :
ولو تتبعنا عشرات الآلاف من التحليلات السياسية المبثوثة والمطبوعة منذ حرب الولايات المتحدة الأمريكية على أفغانستان ومن ثم تحرير الكويت وصولاً إلى حرب وغزو العراق والحرب في اليمن والأهم في كل ذلك ما حدث في سورية والحرب المدمرة منذ عشر سنوات انتهاء بما يجري الآن في أوكرانيا بالحرب التي يخوضها بوتين المجرم السفاح دون رادع له , فكم من هذه التحليلات كانت تعكس حقيقة الواقع أو قريبة منه لدرجة أنها تسهم في تشكيل تصور عن حقيقة ما يجري بالفعل وتسهم في تنوير المتلقي عن بعض الحقائق ….. ?! بل إن كثيرا منها يثير السخرية الحقيقية ويعبر عن مدى الاستخفاف بعقل المواطن العربي وبالأخص الشعب السوري لدرجة لا يمكن تصورها , فإذا انتقلنا إلى الحرب الأمريكية في أفغانستان في الواقع فقد كان يوجد وهم لدى الأفغان وكثير غيرهم أنهم قد هزموا الاتحاد السوفييتي السابق, وجعلوا إمبراطورية الإلحاد تنهار, وبغض النظر عن مصداقية هذا الأمر أو عدمه فقد كان الأفغان جزءًا من لعبة سياسية وأيديولوجية وعسكرية شكلوا في مرحلة من المراحل أداة أسهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. لقد كانت الحرب ضد الاتحاد السوفييتي استثماراً أمريكيًا في أفغانستان بتمويل عربي وبالذات خليجي , ولولا ذلك ربما سارت الأمور بطريقة أخرى , وأن الحرب الأمريكية ستكون خاسرة لأن أفغانستان هزمت الاتحاد السوفييتي من قَبلُ شر هزيمة بل إن البعض قد توهم أن الطالبان والقاعدة وأسامة بن لادن سيلقنون الأمريكيين درساً في حرب الجبال لن يقووا عليه, وبغض النظر عن العوالم والظروف المحيطة بالأحداث, فإن مطالعة جوهر كثير من التحليلات كان يثير الدهشة من خلال الأسلوب الذي يتبعه محلل سياسي ما في تحليله للأحداث وفي رسم سيناريوهاتها المستقبلية, ولكن ماحدث كان العكس فاحتلت أمريكا أفغانستان وقضت على القاعدة وعلى أسامة بن لادن وأخيراً خرجت وسلمت أفغانستان لمن كانت تقاتلهم وهي حركة طالبان, فكيف نفسر انتصار فصائل على الاتحاد السوفييتي السابق التي دفعت ثمنها غالياً …?! ومن ثم خسرت الحرب مع من دعمها سابقاً بكل أنواع الأسلحة والمال, ومن ثم تعود بقوة وتستلم الحكم والدولة في أفغانستان من قبل نفس الصديق القديم ونفسه العدو الجديد, وقد استندت كثير من التحليلات السياسية – لكبار المحللين السياسيين العرب الاستراتيجيين – في فلك وهم الانتصار السابق لتوحي أن أمريكا ستُلقَّن درسًا في أفغانستان, فإذا انتصر الأفغان على الروس فكيف لا ينتصرون على الأمريكيين…? وكانت نتيجة هذا الوهم مئات الآلاف من القتلى والتدمير الكامل تقريبًا, فهل هناك من حلّل هذا الأمر منطقياً قبل أن يحلله سياسيا? وليس المقصود هنا تحمل مسؤولية ما حدث وكأن ما حدث بفعل هذه التحليلات, بل إن المسؤولية تنحصر في إطار تشكيل بنية الوعي بطريقة مشوهة, بطريقة غير واقعية تستمد معطياتها من (هذيانات) تضليلية مقصودة أم غير مقصودة, ليست موجودة إلا في أذهان أصحابها, هذا الخلط باعتقادنا أخطر بكثير من الآثار المدمرة لأعتى الحروب, فإذا انتقلنا إلى سورية وما حصل فيها ومايحصل حتى الآن فلا يسعنا إلا أن نقول إن المواطن العربي عامة والسوري خاصة ليس بحاجة إلى التحليلات السياسية, فقد أتخم منها وأصبحت بالنسبة له مهاترات لا معنى لها وتحليلات لا قيمة لها أمام ما حققه من خطوات خلال عشر سنوات من الحرب التي شنت عليه من قبل عصابات بشار الأسد ومنظومته المجرمة ومافيا بوتين وميليشيات إيران وأمام المجازر البشعة التي ارتكبتها هذه الدول بحق هذا الشعب العظيم, ولا يسعنا هنا إلا أن نقول دعوا الشعب السوري يدير الأمور بطريقته الخاصة فما يقوم به واضح ليس بحاجة إلى تعليق وتحليل, كي لا يتشوه العمل البطولي الذي قام به هذا الشعب العظيم الذي وقفت ضده كل دول العالم وجعلوا القاتل والمجرم والسفاح حراً وعلى رأس الحكم في سورية بعد عشر سنوات من الحرب التي قام بها ضد شعبه وقتل وشرد ودمر البلاد كلها, ومن المؤكد أن الخسائر فادحة وكبيرة جداً ولا يمكن إنكار ذلك على الإطلاق ويخطئ من يعتقد عكس ذلك, علماً أن الشعب السوري يذبح ذبحًا ويقتل حصارًا, ولكن ما من شعب سار على هذا الطريق إلا وحقق غاياته وانتصر في النهاية, ولا تعليق بعد ذلك أبدا.. فلتصمت كل التحليلات الكاذبة والمشوهة للثورة السورية العظيمة فهي ليست في مكانها أبداً, هل يمكننا القول في النهاية إنها مجرد تحليلات تنجيمية كصفحة الأبراج اليومية?! كلنا يقرؤها على الرغم من عدم اعتقادنا بها وسرعان ما ننساها ونعود لممارسة حياتنا اليومية بكل ما فيها من خيبات, بالرغم من أن البرج يقول إنه يوم مناسب وجميل للحياة والمفاجآت السارة !!?
ويمكن القول ( كذب المحللون السياسيون ولو صدقوا )??!!
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.