الأستاذ بشير عليطو

كتلة العمل الوطني

استذكار الغرب لما فعله بوتين في سورية بعد الحرب على أوكرانيا، هل هو صحوة ضمير؟

بعد قيام بوتين بالعدوان على أوكرانيا بدأنا نسمع إدانات غربية لهذا العدوان الهمجي الذي استهدف البنية التحتية الأوكرانية والمجازر بحق المدنيين، ويكاد لا يخلو تصريح من مقارنة هذه الهمجية بما فعله بوتين في سورية من تدمير للمدن وتهجير للسكان.

فهل هذا صحوة ضمير أم شيء آخر؟

  لا شك أن هذه المقارنة صحيحة من حيث تسليط الضوء على أن الجيش الروسي هو جيش تدمير وقتل، بعيد عن المهنية وعن أخلاق القتال الشريف، هو جيش يملك ترسانة تدميرية كبيرة ولكنه غير قادر على السيطرة على الأرض، وأيضاً فإن لهذه المقارنة وجه آخر أكثر صحة مما سبق وهو أنَّ الغرب الذي يرفع شعارات الحرية والعدالة والديمقراطية وحق الشعوب في اختيار حكامها، ويضع الخطوط الحمراء أمام ارتكاب جرائم الحرب وقتل المدنيين واستخدام الأسلحة المحرمة يكيل مكيالين وينظر للجرائم بحق الشعوب بعينين متناقضتين، وظهر جلياً أن رد الفعل يتعلق بالعرق والدين والمصالح وليس بالمبادئ والقيم والأخلاق والشعارات الإنسانية.

   إنًّ ما فعله جيش بوتين في أوكرانيا لا يشكِّل جزءاً من جرائمه في سورية لا من ناحية حجم التدمير أو استخدام الأسلحة المحرمة، ورغم ذلك تبلورت مواقف قوية ضد روسيا لم نلمسها في سورية فقد أجمع الغرب على دعم أوكرانيا بالمال والسلاح والعقوبات الغير مسبوقة واللجوء إلى الجمعية العامة لتفادي الفيتو الروسي الذي سمحوا له بإعاقة أي مساندة للثورة السورية حتى على المستوى الإنساني.

   هذا الاستدلال بجرائم بوتين في سورية لتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا، هو أيضاً إدانة للغرب، فهم عندما يقولون إنهم لو منعوا بوتين من تدمير سورية وتهجير أهلها لما تجرأ على تكرار ذلك في أوكرانيا، فهل هذا يُعتبر ندم على تخاذلهم أم تأكيد على أنَّهم يكيلون بمكيالين؟

لذلك فإن السؤال لذي يجيب على تساؤلنا هو:

   لو أنَّ بوتين اكتفى بدعم نظامٍ إرهابي وقتل الشعب السوري وتهجيره وتدمير بلده والسيطرة على مقدراته الاقتصادية فهل كنا سنسمع هذه التصريحات؟

تدخلت روسيا إلى جانب النظام ضد الشعب السوري منذ سبعة أعوام، قلبت خلالها الموازين على الأرض ومكنت النظام من السيطرة على مساحات واسعة كانت محررة وذلك بعد تدميرها وقتل تهجير أهلها، وشعرت دول الغرب بالخطر من موجات النزوح الكبيرة وأغلقت حدودها أمامهم، فهم بنظر الغرب مجرَّد وقود لمعارك تصفية الحسابات الدولية على أرضٍ بعيدة عن حدوده، وشعبها لا يملك الشعر الأشقر ولا العيون الزرقاء، فلم نسمع العبارات التي تستنكر تهجير الشعب السوري كما سمعناها عن أصحاب العيون الزرقاء على لسان مسؤولين واعلاميين غربيين.

   وإذا ربطنا ذلك بما تم كشفه عن السماح لروسيا بالتدخل لصالح النظام ومنع السلاح الفعَّال عن الثوار، واتباع سياسة إدارة الأزمة بدل حلها والتي منحت للنظام الوقت الكافي لإعادة ترتيب أوراقه وعلاقاته بعدما كان على شفير السقوط باعتراف حلفائه واعتراف من يدَّعي العداء له.

   كل ذلك يُجيب عن السؤال المطروح، بأنَّ بوتين لو لم يتجرأ على غزو أوكرانيا لبقي الغرب صامتاً عن جرائمه في سورية، وأنَّ هذا الاستذكار لجرائمه ليس صحوة ضمير، بل مزيد من الاستغلال لمعاناة السوريين لصالح صراعاتهم التي تُدار على حساب مصالح ودماء الشعوب المقهورة، ولو أرادوا ردع بوتين في سورية لكانت لديهم الموجبات الأقوى حسب القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة، وما يستشهدون به من جرائم بوتين لا يتجاوز القول: إنَّ صمتنا عن جرائمك في سورية بحقِّ الشعب السوري ليس ضعفاً منا، ولا يعني أن تنقل الحرب إلى حدودنا.

وبغضِّ النظر عن نتائج غزوِ بوتين لأوكرانيا، أو توريطه بهذا الغزو لتصفية حسابات غربية /غربية، أو إعادة تشكيل النظام العالمي أو غير ذلك من دوافع وأسباب، فإنَّ ما يهمنا هو إعادة حساباتنا كسوريين وتقييم أسباب تراجع ثورتنا وإعادة النظر في قدرة تمثيلها السياسي، وجدوى المسارات (التفاوضية والدستورية) التي أدت إلى هذا التراجع والجمود، وجعلتنا ننتظر تأثير ما يجري في أوكرانيا على الحلِّ في سورية وكأننا أقررنا أنه لا حول لنا ولا قوَّة، ورضينا بأن نكون مجرد أداة صراع بيد دولٍ تسعى لمصالحها بدون أي اهتمام بتضحيات الشعب السوري وأهدافه.

   علينا استعادة قرار الثورة عبر انتخاب تمثيل سياسي حقيقي يحمل آلام وأهداف هذا الشعب المقهور، وسحب البساط من تحت من لا ينظر للمستقبل إلا من زاوية مكاسبه الشخصية، وليس من زاوية إنهاء معاناةٍ لا يشعرون بها أو مستقبلٍ يخشون فيه على من ترك كلِّ ما يملك ويعيش في المخيمات أسوأَ الظروف، ويخشى من انتقام النظام المجرم إن تمدَّد إلى ما بقي من أراضٍ محرَّرة، وواجبنا اتجاه دماء الشهداء ومستقبل أطفالنا أن نستعيد الثقة بأنفسنا ونعي بأننا أقوياء لأننا أصحاب الحق، ولولا سكوتنا عمَّن تصدَّر المشهد لتخلَّى عنهم مشغليهم، ولتوفَّرت الظروف المواتية ليقوم الشعب الثائر باختيار ممثليه من بين صفوفه، وليس ذلك بأشدِّ صعوبة من انتفاض الشعب السوري ضد نظامٍ إرهابي قمعي قاتل.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: