
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
ما يشـهده العالم من تطورات ومتغـيرات
إن العالم يمر اليوم بمرحلة انتقالية يصعب التنبؤ بطولها أو قصرها ولكن الـواضح أن النظرة إلى “النظام العـالمي الجديد” بـوصفـه نظام القطب الواحـد تتسم بقـدر كبير من التبسيط ، فإذا كـان هذا الوصف صحيحـاً، مع بعض التحفظ في المجـال السيـاسي، فإن “النظـام العالمي الجديـد” سيعكس في المجـال الاقتصادي تعـدديـة الأبعاد والأقطاب وصراع التكتلات الإقليمية، وسيلعب العـامل الاقتصادي الـدور الحاسم في رجحان كفـة هذا القطب أو ذاك في هذه المرحلة أو تلك.
ونتسـاءل نحن أين هم العرب مما يشـهده العالم من تطورات ومتغـيرات؟ وكيف يعـدون العدة لمواجهة ما يطرح من مشاريع وخطط لإقـامة سوق إقليمية شرق أوسطيـة تضم دولاً ذات بنى اقتصـاديـة أكثر تطوراً وعصرية كتركيـا على سبيل المثال ..؟ وماحقيقة هذا النظام العالمي الجديد , وهل أن العالم أصبح يعيش حقاً في كنف قوة عظمى هي الأقوى عسكرياً وسيـاسياً واقتصادياً ..؟ وهل أن التنـاقضات والصراعات داخل العالم الرأسمالي المتطور انتهت، أو حتي جمدت، وأسلمت جميع الأطراف القياد لهذه القوة .. ؟ ليس ثمـة شك في أن وضعاً نوعياً جـديداً في العالم قـد نشأ بعد زوال المعسكـر الاشتراكي ، فهو يمر اليـوم بمرحلة تتسم بعـدم الاستقرار وبمحاولات ترتيب أوضاع البيت الدولي على أسس تأخذ في الحسبـان المتغيرات التي شهدها وموازين القـوى الجديـدة التي نجمت عنها إنها مرحلـة ذات طابع انتقالي لم تكتمل فيها بعـد معالم النظام الدولي الذي دخل طوراً من التغير والتحول ومن أبرز سمات هذه المرحلـة غياب القـوة العظمى الثانية في الشرق، وبروز العالم الأحادي القطب فعلاً فهل هذا هـو الواقع ..؟ فنحن نزعم أن الـوقـائع والتطـورات الجارية في العـالم اليـوم تشير إلى احتمال قيام نظام بثلاثة أقطاب (اقتصاديـة) وربـما أكثر دون أن نفكر بـالطبع أن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العسكـرية والسياسية الأقـوى في عالم اليـوم وسوف نحـاول إثبات رأينا هذا من خـلال تتبع سمات المرحلة الراهنة ورصد احتمالات تطورهـا، لاسيما في المجال السياسي والاقتصادي
– في المجال السياسي :
1- غيـاب القوة العظمى الشرقية وزوال معسكـرها واتجاه الدول التي كانت تتألف منها، وفي مقدمتها الدول التي استقلت وانفصلت عن الاتحاد السوفيتي سابقاً والالتحاق بالغرب سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً.
2- سعي الـولايات المتحدة إلى التفرد بقيادة “النظام العالمي الجديد” ومحاولاتها استغلال نفوذها السياسي وتفوقها العسكـري المطلق لانتزاع اعتراف الآخرين بهذه القيادة.
3- تراجـع دور الأمم المتحـدة الفعلي، وتحولها إلى مظلة تعمل الولايـات المتحدة تحتها بـاسم القانون والشرعية الدولية.
4- ظهور ألمانيا كدولة موحدة قوية اقتصاديا تسعى إلى الاضطلاع بدور سياسي في أوربـا والعالم يتناسب مع وزنها.
5- الاتجاه لعزل ومحاصرة بعض البلدان التي تنتهج سياسة لا تتلاءم مع المتغيرات الدولية.
6- العمـل على إزالـة بؤر التوتر وحل النزاعات الإقليميـة المستعصية سـواء في الشرق الأوسط أو إفريقيا أو جنوب شرق آسيا، وغيرها تحت رعاية الولايات المتحدة الامريكية وما تقرره.
– في المجال الأمني والعسكري :
– تعـزز اتجاه التدخل العسكـري المباشر لـوقف النزاعات والحروب المحليـة والإقليمية سواء تحت راية الأمـم المتحدة أو قوات متعددة الجنسيـة بقيادة الولايات المتحـدة نفسها، واعتماد سيـاسـة فـرض العقـوبـات والمقـاطعـة والحصـار العسكـري والاقتصادي للبلد المعتـدي أو المسئول عن انـدلاع حـروب من هذا النوع، مع مـا ينجم عن ذلك من تعديل في مفهوم السيادة المطلقة.
– في المجـال الاقتصـادي :
يعكس الميـدان الاقتصادي أبرز سمات “النظام العالمي الجديد” أي تعدديـة الأقطاب الاقتصاديـة، ويتجلى ذلك في الحقائق والتطورات والاحتمالات التالية :
إن السمـة الأساسية للنظـام العالمي الجديـد في المجـال الاقتصادي هي كـما رأينا في قيام التكتلات والتحالفات الاقتصادية، ومعظم الدول تسعى إلى الانتظام في تجمعات إقليمية وإقامة أسواق كبيرة، أما من سيبقى خارج هذه التجمعات فلن يكـون قادراً على الصمود في خضم المنافسة الدولية المتعاظمة، لذا فإن مسألـة التكـامل الاقتصـادي وإزالة القيـود والحواجز وفتح الأسـواق بين البلدان العربية غدت قضية حيوية تفرضها المتغيرات الدولية ومتطلبات المصالح الوطنية والحقائق الجيوسيـاسية أكثر منها مجرد قضية قومية عاطفية , فإن بروز وتعزز دور التكتلات الاقتصادية الإقليمية جعل كل قطب من الأقطاب الثلاثة في الاقتصاد الرأسمالي العالمي (الولايات المتحدة أوربا الغربية، واليابان) إلى إحاطة نفسـه بمجموعة من الدول التي تشكل المدى الإقليمي الاقتصادي الذي يستطيع من خلالـه المنافسة للقطبين الآخرين، إن وجود أقطاب وتكتلات متصـارعة داخل الاقتصـاد الرأسمالي ليس بحد ذاتـه ظاهرة جـديدة، بيد أن الجديد هو الاتجاه لإضفاء طابع تكـاملي شـامل على العلاقـات بين أعضاء التكتل، والوصول بـالعملية التكامليـة إلى مـرحلة متقدمة، كـما هـو الأمر بالنسبة للاتحاد الأوربي، وقـد كانت التناقضات والصراعات التي وصلت أحيانا إلى حد “الحروب التجارية” وفرض العقوبات الاقتصاديـة على المنافسين سمـة مميزة للعلاقات بين الأقطاب الثلاثة، ومع أن ظروف الصراع مع المعسكر الاشتراكي في الماضي طغت على هذه الصراعات داخل المعسكـر الرأسمالي وخففت من حدتها، فإن التنافس بين هذه الأقطاب ظل قائـما، وكان يأخذ أشكالاً مختلفة تبعا للظروف والأوضاع وموازين القوى على الصعيـد العالمي، ومع تفكك الاتحاد السـوفييتي وزوال المعسكـر المعادي عادت هـذه الصراعات إلى السطح بقـوة، وهكذا، فنحن أمام ثلاثة تكتلات اقتصادية دولية قائمة فعلا، تسعى إلى اقتسام العالم اقتصاديا .
بروز الصين :
– بروز الصين كقوة اقتصاديـة يحسب لها ألف حساب مع استمرار انطلاقتهـا الاقتصادية الناجحة، ومن المحتمل أن تتحـول إلى منـافس جـدي وخطير لليابـان على زعامة التكتل الآسيوي، لاسيما مع قيام الصين الكـبرى وسيـزداد حجم الصين وتأثيرها في حـال نجاحهـا في إقامة علاقات مميزة (سياسية واقتصادية) مع روسيـا وإيران والدول التي كان يتألف منها الاتحاد السوفييتي السابق , ولكن وصـول الصين إلى هـذا المستـوى وهـذا الدور لاتزال دونه عقبـات كثيرة، أهمها وأخطرها التنـاقض الجذري القـائم بين النهج الاقتصـادي الانفتاحي والليبرالي الذي تسير عليه، والنظام السياسي القـائم نظام الحزب الواحـد، أي بين الديمقراطية الاقتصادية والتوليتارية السياسية، وعلى كيفية حل هذه الإشكالية سيتوقف مدى قدرة الصين على دخول حلبة الصراع الاقتصادي العالمي كمنافس فاعل.
روسيا وتخبط بوتين :
– استمرار انكفاء روسيا اقتصاديا لفترة من الزمن قد تطول كثيراً، وقد تنهار إقتصادياً بعد حصارها عالمياً وفرض العقوبات عليها فطمع وجشع وغرور بوتين قيصر روسيا الذي يحاول إعادة جمع معظم الجمهوريات السوفييتية السابقة ضمن تكتل أو اتحاد اقتصادي يمكنها من مواجهة تحديات المرحلـة المقبلة، والذي جعله يفكر بذلك حربه على في جورجيا عام 2008 وحربه الأولى في أوكرانيا وضم جزيرة القرم وحربه في سورية ودعم الطاغية السفاح بشار الأسد وحربه الأخيرة في تدمير أوكرانيا وحتلال أجزاء منها ونشير في هذا السياق إلى إدانة دول العالم له والوقوف ضده بل ودعم أوكرنيا من قبل أمريكا وجميع الدول الأوربية ضد هذا الطاغية المغرور الذي سقط في مستنقع لا خروج منه إلأ بالهزيمة والذل له ولجيشه الفاشي الذي دمر سورية ومن بعدها أوكرانيا
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.