حسين علي البسيس

محامي سوري-عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا

تغيير الخرائط إلى أين …..

بعد مرور أحد عشر عاما على انطلاق الثورة السورية وردة فعل نظام الأسد عليها بالقتل والتدمير وتشريد الملايين من الشعب السوري على يد الطغمة الحاكمة الاسدية وجلاوزتها وشذاذ الأفاق الذين ينفذون ماهوا مرسوم لهم وكذلك ازداد المشهد تعقيدا كبيرا بسبب التدخلات الدولية والإقليمية التي تعمل وفق مصالحها ولا يعنيها مصلحة الشعب السوري لان الدول ليست جمعيات خيرية تقدم الأشياء والاحتياجات مجانا ً. كل المجريات وخلال اكثر من عقد من الزمن قد أحدثت خللا ليس فقط سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي بل أحدثت خللا ً ديمغرافيا كبيرا جعل الكثير من الشعب السوري يخشى شبح تقسيم البلاد الذي هو مبدأ مرفوض من كل سوري وطني شريف مؤمن بوحدة سوريا أرضا وشعباً .فمن خلال النظر على خارطة سوريا اليوم تعطيك تصورا ًكاملا ً بأنها لم تعد في واقع الحال كما كانت عليه قبل عام  2011 عند انطلاق الثورة السورية .بل باتت مقسمة إلى مناطق نفوذ دولية وإقليمية وكذلك محلية بل أصبحت عبارة عن كانتونات وحارات تتحكم فيها سلطات امر واقع منها ما يفصل بينها حدود طبيعية ومنها حدود اصطناعية احدثتها القوى المسيطرة على الأرض والتي تحاول جاهدة ان تجعل من سوريا غزة 1 وغزة 2 بل وأكثر وهذا الأمر جعل المواطن السوري ينتابه شعور بأن التقسيم وتفتيت البلاد لم يعد فقط مفهوما ً نظريا ً وانما واقع حالي يطبقه السذج واللصوص والطغمة الحاكمة بدمشق وأصحاب المصالح الذين دائما ًهم  يعملون لخدمة مشاريع دولية وماجورين .بل بات من الصعب لدى الكثير من الناس والمتابعين للشأن السوري التفكير بإن سوريا ستعود كما كانت حسبما يتصور البعض. فالتقسيم الذي تحدثه تلك القوى الموجودة على الأرض قد أصبح بشكل واقعي على الأرض فهو يعبر عن رغبة هؤلاء الصعاليك بإنتاج دويلات صغيرة تلبي طموحاتهم وطموحات اسيادهم مما جعل الانطباع لدى كثير من الشعب السوري أنه خلال المدى المنظور لا يوجد أي مؤشر تعمل على وحدة سوريا أرضا ً وشعبا ًخاصة في ظل انعدام أي مؤشرات أتفاق على حل سياسي قريب يتم من خلاله الانتقال السياسي للسلطة. بل أن فشل كل الاجسام السياسية المعارضة ذات الطابع الرسمي من ائتلاف وهيئة تفوض ولجنة دستورية قد فشلت فشلا ً ذريعا ً حيث قد كشفت عورتها واخرها ما حصل في الجولة الثامنة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي انعقدت بتاريخ 3-6-2022 والتي خرجت منها رائحة عفنة تزكم الانوف. فمناطق سيطرة الأسد التي تعاني ما تعاني من ضائقة اقتصادية وجرائم يومية فقد أصبحت مناطق نفوذ روسية إيرانية بامتياز ولا قرار لنظام الأسد فيها ولا يجرأ أحد من رجالات نظام الأسد سواء القادة العسكريين او الأمنيين او الإدارات المدنية على اتخاذ أي قرار دون الرجوع الى الإيرانيين والروس وقادة المليشيات الذين يقومون بأعمال العصابات المتفلتة والخارجة عن القانون. فلا سلطة لأحد من السوريين في مناطق سيطرة الأسد على أي عسكري او مدني روسي أو أيراني فالروس والإيرانيين محميين بمواثيق ومعاهدات ثنائية عقدتها الطغمة الحاكمة في دمشق مع روسيا وايران مقابل استمرار هذه الطغمة بالسلطة ولو على حساب تدمير ما تبقى من الدولة السورية والشعب السوري .واما المنطقة الشرقية او ما يطلق عليه مسمى شرقي الفرات ليست بأحسن حالا ًحيث تسيطر عليها قوات قسد المدعومة من التحالف الدولي التي تسيطر على منطقة غنية بثرواتها الطبيعية بسبب تركز معظم حقول النفط والغاز وأيضا ً تعتبر سلة سوريا الغذائية الزراعية .وكذلك عند الحديث الشمال السوري الذي تم اقتسامه بين ما يسمى هيئة تحرير الشام ومناطق سيطرة الجيش الوطني التي هي خاضعة للنفوذ التركي .فيبدو ان الجميع يعمل بشكل منظم وبمنهجية على تأمين مناطق نفوذه وتثبيتها لكن يبدو أن الوضع في سوريا متحرك ومتغير ولا استقرار فيه لأي قوة على الأرض نظرا ً لاختلاف المصالح والاستراتيجيات التي تعمل بموجبها القوى الدولية المتواجدة على الأرض السورية  ومن خلال معادلات الصراع الحالية حتما ً الخاسر الوحيد هو سوريا كدولة والشعب السوري لان الدول عملت على اخراج السوريين من صنع القرار بل استخدمتهم أدوات لمصالحها فالسوريين باتوا بعيدين كل البعد عن التأثير في القرار الدولي وتقرير مصيرهم ومستقبل البلاد بل تحولوا إلى مجرد أدوات للصراع الكارثي الدائر. ومع كل ما يحدث من مؤامرات هنا وهناك وما يحدث من أعمال عبثية أبطالها الصغار ومتصدري المشهد السوري. لا بد من العمل وبشكل حثيث بحس وطني من قبل كل الشخصيات السورية التي تتحلى بالوطنية لتشكيل جبهة عريضة تستطيع من خلالها ان توصل صوتها للمجتمع الدولي عبر كثير من البوابات من اجل الحفاظ على وحدة الدولة السورية ورفض كل مشاريع التقسيم التي أصبحت تلوح في الأفق ورفض كل السياسات الدولية التي تهدف الى تهشيم وتفكيك الدولة السورية لان تفكيك سوريا الى مناطق نفوذ ودويلات سيجعل منطقة الشرق الأوسط على كف عفريت وصفيح ساخن ولن يحدث استقرار إقليمي أو دولي بدون الحفاظ على وحدة سوريا وفرض حل سياسي يكون نظام الأسد والمجرمين خارج المعادلة.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: