
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
اليأس …العدو الأول للإصلاح
إن حياة الإنسان مليئة بالأكدار والمشاكل التي تنغص الحياة وتجعلها جحيماً بعدما كانت نعيماً والناس تجاه تلك المشاكل إما مؤمن بالخير والفرج والتفاؤل وإما يائسٌ من حصول الخير والفرج ولو نظرنا إلى كتاب الله ودستوره الذي وضعه لنا لهذه الحياة نجد أنه يدعو دائماً إلى التفاؤل والخير وحسن الظن بالله وانتظار الفرج أمل مع صبر دون جزع ولا فزع وهذا الدين العظيم يدعو العبد إلى أن يكون مستبشراً بالخير مطمئناً بما قدره الله منتظراً الفرج وقد نهى الله عن اليأس والقنوط والإحباط والتشاؤم مهما كانت الظروف والمصائب وذكر الله سبحانه وتعالى أمثلة كثيرة عن اليأس فقال :
( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا ) وقوله تعالى : ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ) فاليأس دليل الضعف في الدين وعدم اليقين وهو تعب وعناء بلا فائدة فيضعف القوى ويقتل الأجساد واليأس والإحباط هما العدو الأول للإصلاح فقد لا توجد في الدنيا مهمة أصعب من مهمة الإصلاح خاصة في الوطن العربي فلو أجرينا استفتاءً لأكبر شريحة من المجتمع العربي سيفاجئك حجم المشاعر المتراكمة من اليأس والإحباط والخوف من المستقبل هذا ما يحصل في كل البلاد العربية فعندما تنطفئ جذوة الأمل بالإصلاح ويتسرب اليأس والإحباط والخوف إلى الأفراد والجماعات والشعوب تنتشر السلبية القاتلة كالسرطان بين أفراد المجتمع ويصبح كل شيء في حياة هذه الشعوب صغيراً وتافهاً وهامشياً وسطحياً إذ يفقد المجتمع تلك البوصلة المشتركة التي تهديه إلى ما فيه خيره وعافيته ونمائه واستقراره وسعادته ويضيع فيه أي معنى للحياة والآمال والأفكار لأنها تصبح بلا مصداقية في غياب الشعور بإمكانية التغيير , والأسوأ من ذلك ما يجري التعبير عنه أحياناً من مشاعر العجز, فالعجز شعور هائل و مدمر حين لا يعالج بالطريقة المناسبة فإن نهايته تكون دوماً الانتحار كمقولة : (علي وعلى أعدائي) وهذه المقولة تعبر عن الشوق الكامن من أعماق الناس للتغيير يتداخل معه شعور قاسٍ بالافتقار لأي طريقة من طرق التغيير والمفارقة هنا أن التعبير لا يدعو للتمرد أو الثورة أو المواجهة كما يعتقد البعض وإنما يحمل مفردات اليأس والإحباط والانسحاب فسلوكيات الشعوب التي يؤّست من قبل حكامها وحكوماتها وعلماء الدين المدافعين عن السلطان والحاكم والملك والرئيس المستبد الطاغية لا تبشر خيراً في التغيير فأنا مؤمن بأن شعار الإصلاح والتغيير لا يبدأ من الأحزاب وأصحاب السلطة التي تحكم وتتحكم في البلاد وإنما يبدأ من الشعب الذي هو صاحب القرار الأقوى فهو أيضاً يتحمل وزر فساد حكامه عندما ينتخب العميل الفاسد ويكون قائداً للدولة فإنه بذلك قد أوصل البلاد إلى دوامة الهاوية كما هي الانتخابات التي تجري منذ عقود في سورية منذ عهد الأب إلى عهد الابن فهي انتخابات كالعلقم لم تحقق لنا إلا مزيداً من البؤس والتعاسة والإحباط والقنوط والتشاؤم وجلبت لنا الويلات والأزمات والتفقير والخراب والفساد المزمن وعرّفتنا بوجوه سياسية كالحة وجرفت منا الحياة الجميلة بحياة أخرى مملوءة بالغيبيات والنحر والقتل والتهجير وأخذتنا إلى المجهول والتحريض وكره الآخر وسأوضح أكثر, ما يجري في سوريا من خراب ود مار ليس صناعة أحزاب تتقاتل على السلطة وإنما هي صناعة سلوكيات سوريّة مريضة مصابة بازدواجية الشخصية وأن الشعب ظالم ومظلوم, فهو ظالم لأنه لم يحسن استغلال الفرص الضائعة فخضع في المرة الأولى لحافظ الأسد واختار في المرة الثانية ابنه بشار نفاقاً فهنا ظلم الشعب نفسه بذلك , فصارت شكواه من الظلم نظرية حياتية له وخلاصة حياته بكائيات فأصبح الشعب الضعيف أمام الحاكم والحكومة والسلطة بأكملها بين خيارين , الأول : خيار اليأس والإحباط وفقدان الثقة , والثاني : من يحاول التغيير تجده فاقداً للأسلوب السليم وللبوصلة الفكرية والثقافية والمرجعية الصحيحة التي ترشده لبناء حياة أفضل وهناك الكثير من يعتقد أن العرب مازال أمامهم مخاطر كثيرة قبل أن تتضح صورة مستقبلهم ولكن رغم وجود هذه المخاطر فعلاً فإن ما تشهده الآن بلاد العرب من أفكار وممارسات سياسية خاطئة باسم الدين والعرق والطائفية والقبلية والتفرقة العنصرية هو ذاته سيكون خلال الفترة المقبلة الدافع لتحقيق الإصلاح الجذري المطلوب في الفكر والممارسة في الحكم وفي المعارضة وهذه ليست مجرد توقعات مثالية أو أحلاماً خيالية.
فقول الله تعالى : ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط ) وهي وأيضاً محصلة تجارب شعوب أخرى كالأوربيين الذين خاضوا حربين عالميتين دمرتا أوربا وسقط ضحايا بالملايين وكانت بين شعوب الدول الأوربية صراعات قومية وطائفية أكثر بكثير مما تشهده الآن المجتمعات العربية ومع ذلك نهضت تلك الدول وأصبحت من أقوى دول العالم وأما الشعوب العربية فقد صمتت على الاستبداد والظلم والقهر والذل, ورغم الفساد والمفسدين ورغم اليأس والإحباط وتأييس وتخويف الشعوب من المستقبل الذي سيحصل لهم كالذي حصل لسوريا واليمن وليبيا كي تبقى هذه الشعوب في عزلة من اليأس والإحباط الدائم ولا تفكر بيوم من الأيام أن تثور ضد هؤلاء الحكام المستبدين الذين أنفقوا الأموال العربية في تدمير أغلب بلدان العالم العربي وإعاقة تحرر الشعوب العربية فبأموالهم دمرت سورية وليبيا واليمن وكانت سبباً في تدمير العراق وبأموالهم تم دعم الانقلاب العسكري في مصر والقضاء على الثورة وبإيجاز أموال العرب تم استثمارها في تد مير الوطن العربي وخدمة المصالح الغربية التوسعية الإمبريالية بأيدي الحكام الخونة التابعين لهم والمؤتمرين بأمرهم فالشعوب بالنهاية هي من دفعت وستدفع ثمن هذا اليأس والإحباط والفساد والدمار الذي يصيبها فهناك عملية لتوريث الفقر والجهل والتهميش والقمع المنظم وانعدام التنمية والمستقبل في ظل الظروف الراهنة ولن يكون حتماً إلا أكثر سوءاً وسوداوية وتغيير هذه الحتمية رهين تغيير الشعوب حاضراَ ومستقبلاً وهو أهم تحدي يواجه الشعوب العربية في المستقبل القريب وعلى خلاف التفاؤل الذي يبديه حكام المنطقة وداعميهم بأن الشعوب العربية لن تكرر ما قامت به عام 2011 فإني على قناعة أن التغيير قادم لامحالة وإن تآمر العالم كله على الربيع العربي سيعود ويزهر إن شاء الله تعالى وسيكون أكثر فعالية , وقطار التغيير لن يحمل هذه المرة بين عرباته الفاسدين والمنافقين والدجالين والمنتفعين والمطبلين للأنظمة الحاكمة والحكام الطغاة الذين يقومون بخدمة مصالح القوى الكبرى التي تحميهم ومن يعتقد غير ذلك فهو لم يقرأ التاريخ جيداً………فأملنا بالله عز وجل القائل في كتابه الكريم : (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنُجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين ) والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.