
النقيب المهندس محمود الشيخ علي
باحث في الشؤون الاستراتيجية
الصين إلى أين تسير؟
الصين إلى أين تسير؟
محاور البحث:
أولاً: المقدمة.
ثانياً: البدايات الأولى للنهوض الصيني.
ثالثاً: الاقتصاد الصيني من التخطيط إلى السوق.
رابعاً: نظام اقتصاد السوق الاشتراكي.
خامساً: نظام الملكية الاقتصادي.
سادساً: استراتيجية التنمية في الصين.
سابعاً: سياسة الاستثمار في الصين واستخدام رؤوس الأموال الأجنبية.
ثامناً: المناطق الاقتصادية والمدن المفتوحة الساحلية.
أولاً- المقدمة:
السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين تسير الصين في القرن الواحد والعشرين؟
هل يمكن لحزبها الشيوعي أن يستمر على قيد الحياة بعد كل التحولات الرأسمالية التي حققتها؟ هل ستتعاون الصين والولايات المتحدة الأمريكية أم ستتنافسان بضراوة في المستقبل القريب؟ هل ستصبح الصين القوة العظمى الأولى حوالي ٢٠٤٠ – ٢٠٥٠. وهذا يعني أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرن الصين وآسيا عموماً مثلما كان القرن التاسع عشر قرن ألمانيا والقرن العشرين قرن أمريكا، إن دورة التاريخ مستمرة وإن العظمة الإمبراطورية لا تدوم لأحد.
فقد تعاقبت على تاريخ العالم امبراطوريات ودول كبرى مختلفة كالبيزنطية، والفارسية، العربية الإسلامية، العثمانية، الإنكليزية والإسبانية.. إلخ. والآن العالم يعيش في ظل الامبراطورية الأمريكية ولكن غدا أو بعد غد سيعيش في ظل الإمبراطورية الصينية، ففي هذا العام تجاوز عدد سكان الصين المليار ونصف المليار شخص وسيقوى اقتصادها إلى درجة تضاهي فيه اقتصاديات الدول الغربية الكبرى.
ثانياً- البدايات الأولى للنهوض الصيني:
كان ما وتسي تونغ قد أطلق صرخته المشهورة عام ١٩٦٢ أمام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي «أيها الرفاق لا تنسوا صراع الطبقات»، لكن شتان ما بين اليوم والبارحة فالواقع أنهم نسوا صراع الطبقات كليا وأصبحوا رأسماليين على الرغم من أن الحزب الشيوعي لايزال مسيطرا على البلاد من الناحية السياسية فإلى متى سيظل هذا التناقض بين الاقتصاد والسياسة؟
ألن تؤدي رأسمالية الاقتصاد الصيني الى إنهاء الحزب الشيوعي يوماً ما، وإحلال النظام الديمقراطي الليبرالي المتعدد الأحزاب والصحف على الطريقة الغربية محله وهل يمكن لبلد ما أن يكون رأسمالياً من الناحية الاقتصادية وشيوعياً من الناحية السياسية؟!
ومهما يكن من أمر فإن القادة الصينيين الذين جاؤوا بعد عام 1978 ساروا في اتجاه إصلاحي، استطاعوا في ظله وفي ظرف عشرين عاماً فقط أن يجعلوا من الصين قوة اقتصادية يحسب لها ألف حساب. ومن المعلوم ومن خلال التاريخ السياسي والاقتصادي للصين الحديثة أن دينغ هيسياوبنغ هو المسؤول عن التحولات الرأسمالية التي طرأت على اقتصاد الصين ولذلك اعتبره الكثيرون بمثابة خائن لفكر (ماو تسي تونغ) والواقع أنه انعطف بالاقتصاد الصيني وانعكس مائة وثمانين درجة عندما فتحه على الغرب والرأسمالية.
ويرى كثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين أن خليفة (ما وتسي تونغ) كان قد أدار ظهره للأيديولوجية الشيوعية حتى قبل موت (ما وتسي تونغ)، ففي عام 1966 أطلق عبارته الشهيرة «لا يهم فيما إذا كانت القطة صفراء أم سوداء المهم أن تصطاد الفئران» وهذا يعني أنه لا يهم فيما إذا كانت الصين اشتراكية أم رأسمالية المهم أن تنجح اقتصاديا وتصبح غنية كاليابان أو كأوروبا الغربية، وأصبحت كلمة التحديث أي التحديث الصيني هي شعارها الأول، والواقع أن الشعب الصيني كان قد تعب من تلك النزعة الراديكالية التي تريد أن تمحو تاريخ الصين القديم محوا كاملا، وتبدأ من نقطة الصفر، يحصل ذلك كما أن تاريخ الصين ابتدأ مع (ما وتسي تونغ) وأن كل ما وجد قبله ملغي ولامعنى له لأنه رجعي، متخلف إقطاعي.
ومن الملاحظ الآن ومن خلال التحولات الاقتصادية والتاريخية بأن الصين تعود إلى قيمها التراثية التقليدية المتمثلة أساساً بالعقيدة ( الكونفوشيوسية ) وهذا التحول لن يكتمل قبل أن تحصل عملية تغيير للحياة السياسية، وهنا يكمن أكبر تحد يواجه الصين في السنوات المقبلة، فإذا كانت الصين قد نجحت في عملية التحول الاقتصادي بشكل باهر إلا أنها لم تنجح حتى الآن في عملية التحول السياسي، ولايزال الغرب يلاحقها على مسألة الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان وبخاصة أن أحداث ساحة تينامين عام 1989 أغضبت الغرب، ومعلوم أن الطلاب الصينيين تظاهروا آنذاك مطالبين بالانفتاح السياسي ولكن ذاك التمرد قضي عليه وقد أساء هذا الحدث إلى سمعة الصين لدى الغرب كثيرا ولايزال , أما على المستوى الاستراتيجي الخاص بالسياسة العالمية يرى المحللون بأن مصير القارة الآسيوية يقرره الصراع الجاري بين القوى العظمي التالية: الصين، الهند، اليابان، والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية وكعادتها تصطاد بالماء العكر, فهي تحاول استغلال الحساسيات التاريخية الكامنة بين الصين والهند أو الصين واليابان لكي تكبح القوة الصينية الصاعدة، وتستخدم قضية تايوان أيضاً لهذا الغرض، ومعلوم أن الصين تطالب بضم تايوان إليها وإذا ما حاولت أن تفعل ذلك عن طريق القوة المسلحة فربما تحصل حرب عالمية بين الصين وأمريكا, تبدو السياسة الصينية حذرة جداً حتى الآن وتجامل أمريكا كثيراً ولا تريد مواجهتها فالقادة الصينيون يفهمون العالم المعاصر وليسوا متهورين، فهم لن يقفوا ضد أمريكا إلا بعد أن يشتد ساعدهم وتقوى بلادهم على كافة المستويات والأصعدة وبخاصة على الصعيد التكنولوجي والعسكري.
ثالثاً- الاقتصاد الصيني من التخطيط إلى السوق:
تشهد الصين نموا اقتصاديا سريعا منذ قيام جمهورية الصين الشعبية عام ١٩٤٩، وخاصة منذ بدء تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح الاقتصادي على العالم عام 1978، والاقتصاد الصيني ينمو بصورة مستقرة وسليمة إذ بلغ معدل نموها السنوي أكثر من 90٪، وفي عام ٢٠٠٣ بلغ إجمالي الناتج المحلي الصيني 1.4 تريليون دولار أمريكي محتلا المركز السادس في العالم بعد الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا، وفي نهاية عام ٢٠٠٣ تجاوز نصيب الفرد الصيني من إجمالي الناتج المحلي للبلاد ألف دولار أمريكي. وتشهد الصين حالياً أوضاعاً جيدة للاستثمار والاستهلاك ففي عام ٢٠٠٣ بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الصينية في الأصول الثابتة أكثر من 5.5 تريليون يوان صيني. وحجم مبيعات المواد الاستهلاكية بالتجزئة قرابة 4.6 تريليون يوان صيني وحجم التجارة الخارجية الصينية أكثر من 850 مليار دولار محتلا المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وقبل بريطانيا وفرنسا، وفي نهاية عام ٢٠٠٣ تجاوز الاحتياطي الصيني من العملات الأجنبية 400 مليار دولار أمريكي محتلا المركز الثاني بعد اليابان فقط. وبعد عشرين سنة من الإصلاح والانفتاح وبناء التحديثات تحول الاقتصاد الصيني من الاقتصاد المخطط إلى اقتصاد السوق الاشتراكي ويستكمل بصورة تدريجية وانسجاماً مع القوانين واللوائح الصينية، ويتوسع انفتاح السوق الصينية على الخارج وتتحسن السوق والبيئة الاستثمارية باستمرار.
ومع دخول القرن الجديد طرحت الصين مفهوما يتمثل في التناسق بين الإنسان والطبيعة، وتحقيق تنمية متوازنة بين الإنسان والمجتمع وبين المدن والأرياف وبين شرق الصين وغربها والانسجام بين التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية. وفي عام ٢٠٠٢ طرح المؤتمر السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني هدف تحقيق مجتمع الرفاهية بصورة شاملة بحلول ۲۰۲۰
رابعاً- نظام اقتصاد السوق الاشتراكي:
خلال العقود الثلاثة الأولى بعد تأسيس الصين الجديدة عام 1949 ظلت حكومة الصين تنفذ نظام الاقتصاد المخطط حيث تضع الهيئة الحكومية الخاصة أهداف ومهمات التنمية الاقتصادية لمختلف القطاعات، ووفر هذا النظام حينذاك ضماناً للتنمية الاقتصادية الصينية بشكل مستمر ومستقر ووفق الخطط والأهداف المقررة، ولكنه في الوقت نفسه قيد بشكل شديد الحيوية وسرعة التنمية الاقتصادية نفسها، وابتداء من نهاية السبعينات من القرن الماضي بدأت الصين بإصلاح النظام الاقتصادي المخطط وفي عام 1978 بدأت بتنفيذ نظام المقاولة العائلية للإنتاج. وفي عام ٢٠٠٣ أكدت الصين بشكل واضح أن أهداف تحسين نظام السوق الاشتراكي ومهماته تتمثل في تطوير دور السوق الأساسي في توزيع الموارد إلى حد أكبر وزيادة حيوية المؤسسات وقدرتها التنافسية وإكمال التحكم الكلي الحكومي على الاقتصاد الوطني وتحسين وظائف الحكومة في الإدارة والخدمات العامة وتوفير الضمان التنظيمي الفعال في بناء مجتمع الرفاهية بصورة شاملة بناء على مبدأ التنمية المنسجمة بين المدن والأرياف، والتنمية المنسجمة الإقليمية، وتنسيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنسيق التنمية المنسجمة بين البشر والطبيعة وانسجام التنمية الداخلية مع متطلبات الانفتاح على العالم الخارجي.
أما المهمات الرئيسية فتتمثل في تحسين النظام الاقتصادي الأساسي باعتبار اقتصادها يعتمد نظام الملكية العامة قطاعاً اقتصاديا رئيسيا يتطور سوية مع الاقتصاديات المتعددة الملكيات، وإقامة نظام اقتصادي صالح للتعديل التدريجي للقطاع الاقتصادي ذي القطبين المدني والريفي، وتشكيل آلية تدفع التنمية الاقتصادية الإقليمية المنسجمة، وبناء أسواق حديثة موحدة ومنتظمة في الانفتاح والمنافسة، وتحسين نظام التحكم الكلي ونظام الإدارة والنظام القانوني والاقتصادي، وإكمال النظام الصحيح في التشغيل وتوزيع المداخيل والضمان الاجتماعي، وإقامة آلية صالحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة . وبناء على هذه الخطط المقررة سيتم إقامة نظام السوق الاشتراكي المتكامل.
خامساً- نظام الملكية الاقتصادي:
استنادا إلى دستورها تتمسك الصين في المرحلة الاشتراكية الأولية بتنفيذ نظام اقتصادي أساسي يعتبر نظام الملكية العامة قواماً له ويتصف بالتطور المشترك للاقتصاديات المتعددة الملكيات وتتمسك بنظام التوزيع الذي يتخذ مبدأ لكل حسب عمله كقاعدة رئيسية ويتميز ببقاء أساليب التوزيع العديدة في أن واحد وجدير بالذكر أن الاقتصاديات المتعددة الملكيات في الصين عديدة منها الاقتصاد الحكومي والجماعي والخاص والفردي والتعاوني والمساهم واقتصاد الاستثمارات لهونغ كونغ وماكاو وتايوان.
الاقتصاد الحكومي هو القطاع الاقتصادي الذي تعود كافة وسائلة الإنتاجية إلى الدولة، والاقتصاد الجماعي هو القطاع الاقتصادي الذي تعود كل وسائله الإنتاجية إلى مجموعات من جماهير الشعب، والاقتصاد الخاص يمثل القطاع الاقتصادي الذي يملك المواطنون وسائله الإنتاجية ويـقـوم عـلـي أساس استئجار الأيدي العاملة، والاقتصاد الفردي يعني القطاع الاقتصادي الذي يملك العامل بمفرده كل وسائله الإنتاجية ويعمل وينتج بنفسه أساساً ويملك المنتجات ويسيطر عليها.
أما الاقتصاد التعاوني فهو عبارة عن قطاع اقتصادي يتمثل في كيان اقتصادي جديد مقام باستثمارات مشتركة من مؤسسات ذات ملكيات متعددة أو مؤسسات إنتاجية وغير إنتاجية. والاقتصاد المساهم هو قطاع اقتصادي يقدم المساهمون كل رؤوس الأموال المسجلة لإقامة مؤسساتهم المساهمة، واقتصاد الاستثمارات الأجنبية وهو قطاع اقتصادي يقوم فيه رجال الأعمال الأجانب بإقامة مؤسساتهم داخل حدود الصين بناء على القوانين والقواعد القانونية الصينية باستثمارات مشتركة أو بأسلوب تعاوني أو باستثمارات فردية، وتشمل هذه المؤسسات مؤسسات استثمارات مشتركة صينية أو أجنبية ومؤسسات تعاونية صينية وأجنبية ومؤسسات ذات استثمارات فردية. أما اقتصاد استثمار هونغ كونغ وماكاو وتايوان فهو قطاع اقتصادي يقيم فيه المستثمرون مؤسساتهم في بر الصين الرئيسي بناء على القوانين والقواعد القانونية الصينية المعنية، باستثمارات مشتركة أو بأسلوب تعاوني أو باستثمارات فردية، وشأن مؤسساتهم شأن مؤسسات رجال الأعمال الأجانب في قطاع اقتصاد الاستثمارات الأجنبية.
وتشمل أيضاً المؤسسات المشتركة والتعاونية والمؤسسات ذات الاستثمارات الفردية، وينص دستور الصين على منع أي مجموعة أو شخص من اغتصاب أو تخريب ممتلكات الدولة والممتلكات الجماعية بأي أسلوب، وتوفر الدولة حماية الحقوق والمصالح الشرعية لقطاع الاقتصاد الخاص والاقتصاد الفردي وغيرهما من الاقتصادات غير العامة كما توفر الدولة ضماناً بعدم انتهاك الممتلكات الخاصة الشرعية للمواطنين.
سادساً- استراتيجية التنمية في الصين:
لقد طرح المؤتمر الوطني الثالث عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في تشرين الأول عام 1987 وبصورة واضحة خطة «المراحل الثلاث» الاستراتيجية لبناء التحديثات في الصين والأهداف الملموسة لهذه الخطة كما يلي:
المرحلة الأولى: بدأت من 1981 حتى 1990 وحققت نمو إجمالي الناتج المحلي الصيني بمقدار الضعف وحلت مشكلة الكساء والغذاء للشعب الصيني.
المرحلة الثانية: بدأت من عام 1991 وحتى نهاية القرن العشرين وحققت نمو إجمالي الناتج المحلي الصيني بمقدار الضعف أيضاً كما حققت حياة رغيدة للشعب الصيني.
المرحلة الثالثة: تمتد حتى أواسط القرن الحادي والعشرين ووصل نصيب الفرد الصيني من إجمالي الناتج فيها إلى مستوى الدول المتوسطة التطور حيث يعيش الشعب الصيني عيشة غنية نسبياً. وقام المؤتمر الوطني الخامس عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي عقد في تشرين الثاني عام 1997 بزيادة توضيح هدف المرحلة الثالثة المذكورة ويتمثل بما يلي:
خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ينمو إجمالي الناتج المحلي الصيني بضعف واحد بالمقارنة مع عام ٢٠٠٠ ويعيش الشعب الصيني عيشة أكثر ثراء ورفاهية ويتم تشكيل نظام اقتصاد السوق الاشتراكي المتكامل نسبياً.
وبالجهود الجادة المبذولة في العقد الثاني من القرن الحالي يبدأ الاقتصاد الوطني الصيني بالنمو بشكل أسرع وأفضل كما ستشهد مختلف الأنظمة مزيداً من التحسن.
وفي عام ٢٠٥٠ يتحقق تحديث البلاد بشكل أساسي وتصبح الصين حينئذ دولة اشتراكية ديمقراطية قوية وحضارية.
سابعاً- سياسة الاستثمار في الصين واستخدام رؤوس الأموال الأجنبية:
إن الصين إحدى أكثر الدول الجاذبة للاستثمارات في العالم، وفي ظل ركود الاقتصاد العالمي وانخفاض الاستثمارات الدولية بصورة كبيرة حققت الصين إنجازات مرموقة في استخدام الاستثمارات الأجنبية، وذلك يعود إلى إصدارها كثيراً من السياسات التفضيلية والمناسبة والمتعلقة بالاستثمار.
ومنذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي خصصت كثيراً من القوى البشرية والموارد والأموال لتأسيس مجموعة من منشآت البنية التحتية على التوالي الأمر الذي هيأ بيئة ممتازة لرجال الأعمال الأجانب لتوظيف الأموال وإنشاء المصانع في الصين، وفي الوقت نفسه أصدرت أكثر من خمسمائة قانون ولائحة خاصة بالاقتصاد المتجه للخارج وقدمت بذلك أساساً وضماناً قانونين لاستثمار رجال الأعمال الأجانب في الصين.
وفي نهاية عام 1997 عدلت وأصدرت الصين « دليل القطاعات لاستثمار رجال الأعمال الأجانب فيها » لتشجيع ودعم استثمارهم في تنمية الزراعة الشاملة والطاقة والمواصلات والمواد الخام الهامة والتكنولوجيا العالية والجديدة واستغلال الموارد بشكل كامل وحماية البيئة، وحسب قواعد منظمة التجارة العالمية وتعهدات الصين للخارج، راجعت الصين ألفين وثلاثمائة وثيقة قانونية وألغت ثمانمائة وثلاثين منها وعدلت ثلاثمائة وخمسا وعشرين منها، الأمر الذي أكمل بصورة أساسية أعمال مراجعة وتعديل القوانين واللوائح المتعلقة بالاقتصاد المتجه للخارج، وشكل بصورة أساسية أعمال المراجعة والتعديل للنظام القانوني الخاص باستثمارات رجال الأعمال الأجانب في الصين عـلـى أسـاس قـانـون المؤسسات المشتركة للاستثمار الصيـنـي والأجـنـبـي وقـانـون المؤسسات التعاونية الصينية الأجنبية وقانون المؤسسات الاستثمارية الأجنبية ، وحتى نهاية عام ۲۰۰3 استثمر في الصين رجال أعمال أجانب من أكثر من 170 دولة ومنطقة في العالم وتجاوز عدد المؤسسات الاستثمارية داخل الصين 400 ألف مؤسسة ، وبالإضافة إلى ذلك أعربت كثير من الاتحادات المالية الدولية الكبرى والمؤسسات المتعددة الجنسيات عن ثقتها بأسواق الصين، وجاءت إلى الصين معظم المؤسسات المتعددة الجنسيات في العالم، ويرى المستثمرون الدوليون والأوساط المالية العالمية أن الصين من أفضل الدول بنية استثمارية .ويتم استخدام رؤوس الأموال الأجنبية كما يلي:
أولا: الحصول على القروض ويشمل هذا الأسلوب قروضاً من الحكومات الأجنبية والمنظمات المالية الدولية والبنوك التجارية الأجنبية واعتمادات التصدير وإصدار السندات المالية في الخارج.
ثانياً: استثمارات رجال الأعمال الأجانب المباشرة ويحتوي هذا الأسلوب على إقامة مشاريع مشتركة الاستغلال.
ثالثاً: استثمارات رجال الأعمال الأجانب الأخرى ويشمل هذا الأسلوب إقامة مشاريع الاستثمار من الخارج والتجارة التعويضية والتصنيع والتركيب وطرح الأسهم في الخارج.
ومنذ عام 1990 حتى عام ٢٠٠١ بلغت قيمة رؤوس الأموال الأجنبية التي استخدمتها الصين 510.8 مليار دولار أمريكي، بما فيها 378 مليار دولار من استثمارات رجال الأعمال الأجانب المباشرة. وفي عام ٢٠٠٢ فقط، بلغت قيمة الأموال الأجنبية التي استخدمتها الصين 55 مليار دولار أمريكي منها ٥٢,٧ مليار من استثمارات رجال الأعمال الأجانب الأخرى.
وبذلك أصبحت الصين أكبر دولة جذباً لرؤوس الأموال الأجنبية، وواصل رجال الأعمال الأجانب الحفاظ على استثماراتهم فيها، حيث وافقت على إقامة عدد كبير من المؤسسات ذات الاستثمارات الأجنبية مباشرة بزيادة ٢٠,٢ بالمائة بالمقارنة مع عام ٢٠٠٢، وبلغت قيمة العقود 15.1 مليار دولار أمريكي بزيادة 39 ٪. وبلغت قيمة رؤوس الأموال المستخدمة 53.5 مليار دولار أمريكي بزيادة 1.4 ٪.
ثامناً- المناطق الاقتصادية والمدن المفتوحة الساحلية:
قررت الحكومة الصينية إجراء إصلاح النظام الاقتصادي في عام 1978، وفي الوقت ذاته بدأت اتخاذ سياسة الانفتاح على الخارج بصورة مخططة و على مراحل ، وابتداء من عام 1980 أنشأت الصين خمس مناطق اقتصادية خاصة على التوالي في مدن شنتشن وتشوهاي وشانتو بمقاطعة قوانغدونغ ، ومدينة شياين بمقاطعة فوجيان ومقاطعة هاينان، وفي عام 1984 بدأت بفتح أربع عشرة مدينة ساحلية على الخارج، وبعد عام 1985 اتخذت على التوالي دلتا نهر اليانغ تسي ودلتا تشوهيانغ ومنطقة مينان المثلثية وشبه جزيرة لياودنغ ومقاطعة جي ومنطقة قوانغسي الذاتية الحكم كمناطق مفتوحة اقتصادياً الأمر الذي شكل حزاماً اقتصادياً ساحلياً مفتوحاً ، وي عام 1990 قررت الحكومة تنمية وانفتاح منطقة بودنغ الجديدة بمدينة شنغهاي ، وزيادة فتح مجموعة جديدة من المدن بضفتي نهر اليانغ تسي حيث تشكل حزام الانفتاح بحوض نهر اليانغ تسي على أساس فتح مجموعة من المدن الحدودية.
ومنذ عام ١٩٩٢ اتخذت الحكومة الصينية سلسلة من القرارات حول فتح مجموعة من المدن الحدودية وفتح المزيد من حاضرات المقاطعات والمناطق الذاتية الحكم وأنشأت في بعض المدن الكبيرة والمتوسطة الحجم خمسة عشر منطقة تجارة حرة وتسعا وأربعين منطقة للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية على مستوى الدولة وثلاثة وخمسين منطقة تنمية صناعية عالمية وجديدة التكنولوجيا وبذلك تم تشكيل وضع الانفتاح على الخارج بصورة شاملة وواسعة النطاق وعلى مستويات مختلفة والذي يجمع بين مناطق ساحلية وحوضية وحدودية ونائية. وبفضل تطبيق السياسات المختلفة لعبت ولاتزال تلعب هذه المناطق المفتوحة دوراً مؤثراً في تنمية الاقتصاد المتجه للخارج ودفع التصدير وكسب العملة الصعبة واستيراد التكنولوجيا المتقدمة.
هذا كان استعراض موجز لواقع الاقتصاد الصيني، والسرعة الهائلة التي قطعت الصين بموجبها تطوراً جعل منها نموذجاً اقتصاديا جديداً ومعاصراً ومثالاً اقتصادياً يحتذى به ويحاكيه الآخرون خاصة بالنسبة للدول الأخرى التي لازالت تتأرجح ما بين نجاح وفشل في نموها الاقتصادي وتطويرها الاجتماعي ومعدلات نموها.
——————————————————————–
المراجع
- كتاب الصين من ماوتسي تونغ إلى اشتراكية السوق- تأليف الباحث في الشؤون الصينية الإنكليزية -جون جينيكر-
- مواقع نت: حول واقع الصين الاقتصادي
- السياسة المالية
- الاقتصاد الصيني
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها