
النقيب صهيب غنام
مختص في الشؤون العسكرية
نظرة معمقة في الأزمات ودورها في تعميق الوطنية/ج2/
-التعريفات التي ركزت على العناصر المتأثرة بالأزمة:
ومن أبرز التعريفات التي ركزت على العناصر المتأثرة بالأزمة تعريف «فورد» الذي عرفها بأنها:
موقف يتصف بسمتين أساسيتين هما:
أ- التهديد الخطير للمصالح والأهداف الجوهرية التي يسعى إلى تحقيقها، ويشمل هذا التهديد حجم وقيمة الخسارة بالإضافة إلى احتمال تحقق هذه الخسارة وكلما زاد حجم الخسارة واحتمال تحقيقها كلام زاد التهديد.
ب – ضغط الوقت، بمعنى أن الوقت المتاح أمام متخذ القرار للقيام بالبحث واتخاذ القرار قبل وقوع الخسائر المحتملة أو تصاعدها هو وقت ضئيل جداً.
إلا أنه يلاحظ على هذا التعريف أنه أهمل التأثيرات المعنوية للأزمة، ومن ناحية أخرى يعد أحد التعريفات الكلاسيكية للأزمة، التي غطت العديد من عناصرها، فضلاً عن تركيزه على الناحية الإحصائية للأزمة.
– تعريفات ركزت على الاستجابة المطلوبة لمواجهة الأزمة:
نجد من تلك التعريفات، تعريف قال به «ستركس» حيث عرفها بأنها:
حدث غير متوقع من حيث الطبيعة أو الحجم، يقابل الحالات الآنية بوقف العمليات الطبيعية أو سلوك الأعمال، ويتطلب استجابة إدارية منسقة فورية، وربما يتطلب اتخاذ قرار على مستوى عالي له القدرة على التركيز السريع والشامل لانتباه الرأي العام والإعلام على المجتمع.
ونلاحظ أن ستركس ركز في هذا التعريف للأزمات التي تمر وركز على الاستجابات التي ينبغي اتخاذها حتى لا يكون هناك تأثير من أجهزة الإعلام والرأي العام على المجتمع ويمكن الاستفادة من هذا التعريف أيضاً على الأزمات التي تمر بالمجتمعات والاستجابات والتدابير التي ينبغي أن يؤخذ بها في أجهزة الإعلام والرأي العام خاصة في عصر ثورة المعلومات والتقنية التي جعلت العالم عبارة عن قرية صغيرة.
بينما نجد «بشنت وماتروف» يعرفونها بأنها:
مواقف مركبة تواجه، وتتحدى الافتراضات الأساسية المتعارف عليها، وعادةً تتطلب تلك الأزمات تصرفات وقرارات عاجلة ومستحدثة.
وبـالـرغـم مـن أن هــذا التعريف يتضمن المـوقـف مـن الأزمـــة ومــا يسببه من إرباك وتحديد للإفتراضات الأساسية واحتياجه لتصرفات وقرارات للمواجهة وتأثيرها إلا أنه لم يذكر الجانب الإيجابي للأزمة.
– التعريفات التي ركزت على الجانب الإيجابي والسلبي للأزمة:
هناك العديد من التعريفات التي تناولت البعدين، الإيجابي والسلبي للأزمة، من أبرزها تعريف «نيدل وانتكول» اللذان يعرفان الأزمة بأنها:
نقطة تحول في أي طوارئ، وفاعلية في إدارة الأزمات تسمح بأن تعظم من الفرص وتقلل من المخاطر التي تواجهها. وعلى الرغم من أن هذا التعريف واسع في المعنى وعام، لكنه تضمن عنصر التهديد أو المخاطر المتضمنة في الأزمة وأشار إلى فاعلية إدارة الأزمات للإستجابة المطلوبة، كما أشار للجانب الإيجابي للأزمة في تعظيم الفرص.
في حين يعرف «الحملاوي» الأزمة بأنها:
خلل يؤثر تأثيراً مادياً، كما أنه يهدد الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها. حيث نلاحظ في تعريف الحملاوي، تناول الجانب الإيجابي للأزمة حيث ذكر أننا عندما نقول أن للأزمة جانب إيجابي وآخر سلبي، فإننا لا نقول فقط أن الأزمة تعد خطراً وفرصة في نفس الوقت، وإنما نقول أيضا أن الجانب المدمر للأزمة شرط لا بد منه للتطوير.
– التعريفات التي عالجت الأزمة من الناحية الإحصائية:
هـنـاك الـعـديـد مــن الـتـعـريـفـات الـتـي عـرفـت الأزمـــة مــن ناحية إحصائية مـن بينها تعريف «بـــروسي» الــذي عــرف الأزمـــة بأنها:
احـتـمال وقـوع الحدث في نطاق مدة معينة من الزمن، ومنطقة معينة للظاهرة التدميرية، فقد أكد التعريف على احتمال وقوع الحدث ولم يذكر الأضرار والخسائر التي تسببها الأزمة.
– التعريفات التي ركزت على نوع الأزمة:
هناك العديد من التعريفات التي ركزت على نوع الأزمة بحسب طبيعتها من حيث كونها أزمات سياسية، أو أزمات اجتماعية، أو اقتصادية، أو أزمات دولية، أو غيرها من أنواع الأزمات، ومن أمثلة ذلك:
أ- الأزمات الدولية أو السياسية:
حيث نجد التعريفات التي تناولت الأزمــات الدولية أو السياسية قد ذهبت وتفاوتت في تعريفاتها بدرجة كبيرة، من حيث الاتساع والتضييق في تلك التعريفات، فنجدها تعرف الأزمات الدولية أو السياسية بأنها ظاهرة سياسية عرفتها العلاقات بين المجتمعات الإنسانية وهي وصف لحالة تتميز بالتوتر الشديد وتصل إلى مرحلة حرجة تنذر بالانفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول ومن ثم تشكل تطوراً متقدماً من أطوار الصراع الدولي الذي يبدأ بالمساجلات الكلامية، ويتدرج في تصاعده حتى يصل في ذروته إلى الاشتباكات العسكرية.
ونجد في هذا الصدد «رميوند» يعرف الأزمة الدولية تعريفاً واسعاً عندما يقول بأنها:
مشكلة مزمنة تتضمن بداخلها عدة أزمات مثل مشكلة الشرق الأوسط.
حيث عرفها بأنها خلل جسيم في العلاقات الطبيعية بين الدول ذات السيادة بسبب عجزها عن نزاع قائم بينها.
كما يعرف «هريمن» الأزمة الدولية بأنها:
موقف يتسم بخصائص ثلاث هي :
– موقف يتضمن درجة عالية من التهديد للأهداف والقيم والمصالح الجوهرية للدول الأطراف، حيث يدرك صانع القرار ذلك.
– موقف يدرك فيه صانع القرار أن الوقت المتاح لصنع القرار واتخاذه قبل أن يتغير الموقف وقت قصير، وإلا فإن القرار يصبح غير ذا جدوى في مواجهة الموقف الجديد.
– موقف مفاجئ، حيث تقع الأحداث المولدة للأزمة على نحو يفاجئ صانع القرار.
أما «علوي» فيعرف الأزمة الدولية على أنها:
موقف ينشأ عن احتدام لصراع شامل طويل وممتد بين دولتين أو أكثر وذلك نتيجة سعي أحد الأطـراف إلى تغيير التوازن الاستراتيجي القائم، مما يشكل تهديداً جوهرياً لقيم وأهداف الخصم ومصالحه الذي يتجه إلى المقاومة ويستمر هذا الموقف فترة زمنية. يتخللها اللجوء إلى القوة العسكرية، كما ينتهي هذا الموقف إلى إفراز نتائج هامة تؤثر على النظام الدولي القائم.
كما يعرفها «عابد» بأنها: الحدث أو الموقف الـذي يشكل تهديداً للدولة سواء على أراضيها، أو على مواطنيها، كما قد يتطور الحدث بسرعة لخلق ظروف دبلوماسية واقتصادية وسياسية وعسكرية.
ب- الأزمات الأمنية:
وتعرف الأزمات الأمنية بأنها تهديد أو مصادر خطر تواجه حياة الإنسان وممتلكاته ومقومات بيئته، ونقطة تحول في أوضاع غير مستقرة تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، إذا كانت الأطراف المعنية بالأزمة غير مستعدة أو قادرة على احتوائها ودرء أخطارها.
والأزمة بهذا المعنى لها العديد من الصفات يمكن أن نوجزها في الآتي:
– أن يقع الحدث فجأة دون توقع.
– أن يكون توقعها قد تم قبل وقوعها بوقت قصير جداً لا يتسع لاتخاذ الإجراء المناسب للمواجهة.
– أن يتسبب في وقوع خسائر مالية أو مادية أو بشرية أو نفسية.
– أن يتسبب في خلق مشكلات جديدة لا يمتلك الخبرة اللازمة لمواجهتها أو ربما كانت الخبرة قليلة أو غير كافية.
وعموماً فالأزمة من ناحية أمنية من شأنها أن تثبت الاضطراب في حياة الأفراد، وشعورهم بقيمتهم الذاتية وبقوتهم، وبكيانهم الداخلي، وكثيراً ما يلجأ الأفراد فيها إلى التبريرات الخاطئة أو الإنكار، وذلك لعدم القدرة أو الرغبة لمواجهة التجربة العنيفة التي تفقد الإنسان تماسكه الداخلي، وتؤدي إلى موته بالمعنى النفسي وليس بالمعنى المادي.
ج- الأزمات الاجتماعية:
يقصد بــالأزمــة مــن الـنـاحـيـة الاجـتـماعـيـة تـوقـف الـــحـــوادث المنتظمة والمتوقعة واضطراب العادات والعرف، مما يستلزم التغيير السريع لإعادة التوازن ولتكوين عادات جديدة أكثر ملائمة.
كما يعرف العامري الأزمة من الناحية الاجتماعية بأنها اختلال نظام القيم والتقاليد، إلى درجة تقتضي التدخل السريع لمواجهته وإعادة التوازن إلى هذا النظام من خلال تطوير هذه القيم والتقاليد حتى تتلاءم مع الغير الناجم عن تطور المجتمع، ومن قبيل الأزمات أزمة «التجانس القومي» التي تكرث في المجتمعات ذات التعددات العرقية أو الدينية المختلفة وأزمة العدالة الاجتماعية وأزمة الهوية الحضارية وغيرها.
ومن هنا تأتي أهمية التحدث عن الأزمات الاجتماعية وتحليلها ودورها في تعميق الوحدة الوطنية، إذ أن الأزمات بمختلف مضامينها الاقتصادية، أو السياسية، أو الأمنية، أو الدولية، إنما تصب في نهاية الأمر على أنها أزمات اجتماعية ربما تؤدي إلى تعميق الوحدة الوطنية، أو الإخلال بها في المجتمع.
د- الأزمات الاقتصادية:
والأزمـات الاقتصادية هي اضطراب في الحالة الاقتصادية العادية أو التوازن الاقتصادي وهي تعبر عن الانقطاع المفاجئ في المنظومة الاقتصادية، مما يهدد سلامة الأداء المعتاد لها، والهادف إلى تحقيق غايتها، والأزمات الاقتصادية عادةً تنشأ نتيجة حدوث خلل وعدم توازن وقصور الإنتاج عن توفير حاجة الاستهلاك، وتزايد العجز التجاري في ميزان المدفوعات، وأزمات العاملة سواء بطالة أو ندرة شديدة في بعض التخصصات، والأزمات النقدية الائتمانية، مثل التمويل، والتوسع النقدي. والأزمات الاقتصادية عموماً تؤدي إلى الأزمات الاجتماعية والسياسية، والأزمات النفسية، وغيرها من الأزمات.
ومن خلال النظرة المتأنية للتعريفات أو المعاني المختلفة للأزمة، تفصح في مضمونها عن حقيقة واحدة، تتسم بعدة خصائص أهمها:
أ- أن مصدر الأزمة يمثل نقطة تحول أساسية في أحداث متتابعة ومتسارعة.
ب- أنها تسبب في بدايتها صدمة ودرجة عالية من التوتر مما يضعف إمكانات الفعل المؤثر والسريع لمجابهتها.
ج- تثير الأزمة الشكوك في تحديد الوضع وفي تحديد البدائل للتعامل معها.
د- تستدعي مواجهة الأزمة الخروج عن الأنماط التنظيمية المألوفة، كما تستوجب درجة عالية من التحكم في الإمكانات والطاقات و حسن توظيفها.
عموماً نرى من خلال التعريفات السابقة، أن الأزمة عبارة عن نقطة حرجة، تواجه منظومة المجتمع أو الكيان الذي تحدث فيه، ينتج عنها خلل أو توقف بعض أو كل الوظائف الحيوية في المجتمع، و قد تسبب تدمير مادي أو معنوي أو كليهما معاً، يصاحبه تداعي سريع في الأحداث، مما ينشط عناصر عدم الاستقرار و يدفع سلطة اتخاذ القرار لضرورة التدخل السريع لمواجهة الموقف، ولإعادة التوازن.
و من هنا يتضح لنا أن الأزمة مفهوم شامل، ومتشابك يضم في داخله العديد من المفاهيم للأزمة، وبالتالي يصعب وجود تعريف واضح ومحدد للأزمة، وهذا اضطرنا إلى مناقشة الأزمة من خلال عدة معاني، وعدة مداخل لكي تتضح الصورة في محاولة لتحديد مفهوم الأزمة، وفي درجة تعقيد هذا المفهوم المتشابه.
وإن الأزمة ليست وليدة الساعة، وإنما هي إفراز مجموعة عوامل تفاعلت ونشأت في الماضي، وقد تكونت هذه العوامل بيئية، سياسية، اجتماعية، أمنية…الخ.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.