أحمد عرابي

أكاديمي سوري

الديمقراطية والديكتاتورية في العالم العربي

تلح إسرائيل والولايات المتحدة على أن الديكتاتورية في العالم العربي هي التي أعاقت السلام العربي – الإسرائيلي, على أساس أن لغة الحوار بين الديمقراطية والديكتاتورية غير موحدة وأن رموز الخطاب الإسرائيلي السلمية غير مفهومة وأن هذه الرسالة السلمية لا تصل إلى الشارع العربي بسبب حجبها عن طريق النظم الديكتاتورية, فما مدى صحة هذه الدعاوى? تقول الحجة الإسرائيلية أيضاً إن هناك علاقة وثيقة بين ما تسميه (الإرهاب العربي) والديكتاتورية العربية, لأن هذه الديكتاتورية تخلق أجيالاً بائسة قلقة مضطربة حانقة بسبب تردي أوضاعها وغموض مستقبلها وشعورها بالإهانة المتتالية وهي ترى بلادها تعج بالخيرات ومنطقتها عامرة بالثروات ومع ذلك فهي تعاني الفقر والحرمان والقمع إزاء تميز إسرائيل وما تتمتع به من حريات وقدرات  رغم قلة إمكاناتها إذا قارنتها بالثروات العربية كما يتمتع المواطن فيها بأعلى مستوى من الدخل سنويًا مقابل مستوى متدني جداً للفرد العربي فضلاً عما تكشف عنه تقارير التنمية البشرية الدولية من فوارق هائلة بين إسرائيل والعالم العربي, تقول إسرائيل أيضًا إن حجب الحريات وتدهور الأحوال المعيشية مع توافر الإمكانات وشيوع النهب والفساد وتحول الدول العربية إلى إقطاعيات لصالح حكامها هو الذي ولد القهر والحرمان لدى هذه الشعوب فأرادت النظم العربية أن تصرف شعوبها عما تعانيه, وتضيف الحجة الإسرائيلية أن الجماعات الإسلامية المعارضة لإسرائيل تتبنى استراتيجيات لا تقبل بأي شروط للصلح بين إسرائيل والعالم العربي وقد خلصت إسرائيل إلى هذه النتيجة بيسر من تحليل الخطاب السياسي للجماعات الإسلامية في مناسبات مختلفة, وهذه النتيجة هي التي بنيت عليها استراتيجية إسرائيل ومنهج الفكر الصهيوني المعاصر, والتي تقضي بوضوح بأن الإرهاب في العالم العربي وضد الغرب سببه الديكتاتوريات العربية وعدم قدرتها على إقامة نظام لإعادة بناء المجتمعات العربية بحيث تستوعب هذه الجماعات في ثقافة ديمقراطية تشيع فيها قيم التسامح واحترام حقوق الإنسان والاختلاف في الرأي والمشاركة في القرار وحرية تكوين الآراء والتفاعل مع مدخلات البيئة الدولية الجديدة وأفكار التعايش والاعتماد المتبادل وعدم تفسير النصوص تفسيرًا مغلقًا يتسم بالقداسة العمياء. وتضيف الحجة الإسرائيلية أن اصطناع المواجهة مع إسرائيل هدفه أن يظل الانشغال بالصراع العربي – الإسرائيلي ذريعة تلهي الشعوب العربية في قضية تمس وجودها, بل ترى إسرائيل أن هزيمة العالم العربي العسكرية والسياسية في مواجهة إسرائيل تلقى ترحيبًا من حكوماتها التي تطول حياتها ما طال الصراع وتؤجل الديمقراطية ما دام الصراع مستمراً حيث ترى هذه النظم أن الأولوية المطلقة لهذا الصراع وليس للتسوية أو للديمقراطية ولاحظت إسرائيل أنه حتى عندما سمح بتجربة الديمقراطية فقد أدرك الحاكم أن حرية المواطن هي خصم من سلطاته وقيد على حركته .

الديكتاتورية والإرهاب :

قد خلص التحليل الأمريكي الذي بثته الولايات المتحدة في بياناتها الرسمية وخطابها الرسمي إلى أن الديكتاتورية والإرهاب في العالم العربي, يمكن علاجها جميعاً بإقامة الديمقراطية في العالم

العربي , بحيث يتم إعادة بناء المجتمعات العربية وخلقها خلقاً جديدًا فهل الديكتاتورية بصورها المختلفة في العالم العربي هي التي خلقت الإرهاب حقًا الذي امتد إلى خارج العالم العربي وهل الديمقراطية في العالم العربي هي الحل والعلاج حتى تأمن إسرائيل من استمرار هذا الصراع, هذه المقالة لا تهدف إلى الدفاع عن العالم العربي دفاعًا أعمى, ولكنها تريد أن تصل حقًا إلى إجابة شافية وتشخيص سليم للمأساة. فقد أصبحت دعاوى شيوع الديكتاتورية في العالم العربي واستباحة أرزاق الناس لمخالب الفساد وتولي أسوأ عناصر الأمة زمام أمورها خطاباً طاغياً في الغرب أدى إلى استنتاج مر  وهو أن الشعوب العربية اليوم حائرة في حيرة في موقفها من خطاب الغرب وإسرائيل. ومؤدى ذلك أن الشعوب العربية بين نارين أو أمرين أحلاهما مر وأن الشعوب ضاقت ذرعًا بالشكوى وملت من الصبر وعجزت عن إقناع حكامها بالتغيير وهم يمعنون في التزييف تأييداً للتسلط ومصادرة الحقوق والحريات, وأن هذه الشعوب لا تمانع في أن يخلصها الغرب من جلاديها, بشرط ألا تستبدل بطشاً وذلاً بذل واستغلالاً باستغلال واسترقاقاً للشعوب من الحاكم الوطني باسترقاق لها من المحتل الأجنبي?

منعطف تاريخي :

 الحق أن الشعوب العربية في منعطف تاريخي خطير وعليها أن تفرز الصحيح من الفاسد والغث من السمين صحيح أن النظم العربية قد تساهم في إعاقة الانطلاق العربي وتحتاج إلى تحديث وإصلاح حقيقيين وأن دعاوى الإصلاح ووعوده الزائفة قد استنفدت طاقات الشعوب واستذلتها وبددت طاقات بشرية خلاقة ورفعت إلى السقف زَبد الأمة بينما غاص في الأعماق أو هربوا بجلودهم أبناؤها النابهون وصحيح أيضاً أن بعض النظم مثل نظام الأسـد قد فاق غيره من النظم العربية في البطش والقتل  بشعبه حتى أصبح شعبه الذي عجز عن خلعه يرحب بأي نوع من الخلاص كما أن هذا النظام جعلت قراءته الخاطئة للتحالفات والسياسات الإقليمية والعالمية يتراوح بين العمالة والإسفاف وجلب المستعمر وتسليم زمام البلاد والحكم له والصحيح أيضاً هو أن الشعوب العربية لم تتمكن حتى الآن من أن تجد لها طريقاً مقبولاً لكي تعكس السلطة تطلعاتها أو أن تؤكد على حكم القانون الذي يجب أن ينزل عليه الجميع مهما كان قدره , وأصبح الخيار عندها بعد أحداث الحرب في سورية واليمن وليبيا إما الاستمرار فيما هي فيه من تدهور في الأوضاع وفساد وقلب للأمور واستذلال لها على المستوى الدولي على يد الحاكم الوطني كما يسمي نفسه أو الترحيب بقوة أجنبية تخلصها من حاكمها الغير وطني , رغم عدم تأكدها من المستقبل الذي تهفو إليه.

السؤال هنا : هل فعلاً إسرائيل وأميركا والغرب يردون للشعوب العربية الديمقراطية والحرية والكرامة والتخلص من الحكام الطغاة الذين دمروا البلاد وأفسدوها وسرقوها .

(مجنون من يصدق ذلك )

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: