
النقيب المهندس محمود الشيخ علي
الواقع السوري بين الأمل والانكسار
رغم أننا في سورية مازلنا نعيش في ظل قوقعة الاستبداد والتخبط والفوضى لقوى مبعثرة، لكن ذلك لايبرر فقدان الأمل والتخلي عن حقوق مسلوبة.
الأمر الذي يتطلب عمل جماعي منظم يقوم على إنتاج مؤسسات وطنية ( سياسية – تنفيذية – قضائية – تشريعية) لها احترامها في الداخل والخارج، ومن هنا فقط يجب أن تكون نقطة البداية.
وبالرغم من تعقيد المشهد السوري إلا أنه يجب أن يكون لدينا سلم أولويات حتى في العدوات، سواء التي صنعناها بأنفسنا، أو التي فرضت علينا.
لماذا لا نركز على سبب المشكلة! فهو أساس كل المصائب، والبقية تنتهي تباعا.
فلا يوجد مصلحة لأحد بفتح جبهات مع دول أو قوى أو تيارات ونحن مازلنا غير قادرين على تحمل تبعاتها، أضف إلى كوننا مشتتين ومنقسمين داخليا على أنفسنا!
يمكن تعرية المواقف وفتحها بطريقة أكثر دبلوماسية وهذا سيكون له تأثير أفضل من أن نحسب على جهات أو تيارات وندخل في صراعات ستكون تكاليفها كبيرة علينا! وتكوين صورة غير واضحة عند المجتمع الدولي ودول صناع القرار.
ومن المفترض ألا يمنعنا خلافنا الداخلي كجهة ثورية وحتى خلافاتنا المؤقتة من الإنصاف في الحكم.
ليس كل من يخالفني مجرم وخائن وعميل، ولا كل من يوافقني صادق صدوق. فبعض الهدوء والتغفل البارد سيكون مفيد في العمل السياسي للمصلحة الوطنية.
أما الحدية والأحكام القطعية غير منتجة في العمل السياسي. هذا الوطن هو مسؤولية أبنائه أولاً، وليس من المنطق أن نطلب من غير السوريين أن يكونوا وطنيين وأوصياء وأصحاب قضية أكثر من السوريين أنفسهم. والمقصد هنا هو التعامل مع السياسة بوصفها علم وواقع مفروض، وليس أحكام أخلاقية، لأنه في السياسة لا يوجد عدو دائم ولا صديق دائم، وإنما يوجد تفاهم واتفاق مصالح سواء مشتركة أو خاصة.
كما أنّ تراكمات أخطاء ما يزيد على عقد من الزمن، جعل أمام أي مشروع الكثير من العوائق، فما بين جرائم طرف وأخطاء وهشاشة الثاني وتقلب وتخبط الآخر، لم يعد من السهل استعادة النظرة والثقة الدولية ولا حتى ثقة السوريين أنفسهم بجسم سوري صحيح، فكثير من المشاريع السياسية والعسكرية أصبحت ألعوبة المشاريع الإيديولوجية والمكاسب الشخصية.
أضف إلى ذلك أنّ الدول و المحافل الدولية لا تتعامل مع أشخاص أيا كانوا أو مع مجموعات صغيرة، بل مع مؤسسات منظمة، و هذا ما شهدناه في العشر سنوات الماضية، وبالتالي من الجدير بالذكر أن ننوه إلى أن المجتمع الدولي يتعاطى مع القضايا الهامة وخاصة قضايا الصراع، بمنظور آخر يجب أن نفهمه جيدا، فصنع المؤسسة ووضع خططها و أهدافها وآلية عملها_ يجب أن يكون من المسلمات، ثم تبدأ اللقاءات والنشاطات باسم المؤسسة أو المشروع الذي تمثله. وبناء عليه ومن خلال المشروع الوطني الهادف يتم البدء بنسج خيوط التحالفات والتقاطعات مع الدول الفاعلة حتى الوصول إلى قرار دولي يتوافق مع حالة وطنية، فقد أمضينا ما يزيد على عشر سنوات من كل شيء ولم نصل لنتيجة تليق بحجم التضحيات المقدمة.
يجب أن نكون مؤمنين أن سورية ليست معبر حدودي، أو حقول نفط، وليست مزارع ومقاطعات، بل بقعة جغرافية بحدودها المعترف عليها دوليا عاش عليها تاريخيا خليط متجانس من كل السوريين ، وهي بهذا المعنى غير قابلة للقسمة ولا للمحاصصة والتوزيع، بل يجب أن نحافظ عليها قبل أن نخسرها كلها.
ومن هنا ننادي كل السوريين بكل مكوناتهم (تكتلات، أحزاب، جماعات، أفراد ) أن؛ لا تنادوا بمشاريع سياسية أكبر أو أصغر من سورية لأن ذلك سيؤدي حتما الى انقراض مكون ما من سورية مستقبلاً.
يجب المناداة فقط بالمشروع الوطني ( وطن ومواطنة ) دون تمييز، وهو المشروع الوحيد المنقذ لسورية من الاستبداد والتشتت.
فسورية لم تعد تحتمل تجارب خاطئة أو غير ناضجة، وهي الآن بأشد الحاجة إلى مشروع وطني بمقاس سورية لا زيادة ولا نقصان، مشروع تنظيمي بمقاس الشعب السوري كله.
هذا العمل _ رغم مرور أكثر من عقد من الزمن فإن ملامحه لم تولد بعد وذلك لأسباب عديدة داخلية وخارجية، كانت نتيجتها تثبيط الهمم والاستكانة ومزيد من الضياع.
المشروع الوطني الجامع يجب أن يكون هو بوصلة العمل الحقيقي لكافة القوى السورية العسكرية و السياسية، المتفرقة والمشتتة. المشروع الوطني هو امتحان حقيقي سيظهر مدى القدرة على تحدي الصعوبات والعمل على تذليلها والتأسيس لحراك سوري يجعل القوى الدولية تستجيب لإصرار القوى الوطنية التي تروم حوارا وطنيا شاملا نحو وطن جديد ومؤسسات وطنية جديدة أهم مرتكزاتها المهنية و الحرفية والإخلاص، والتأسيس لحالة مستقرة بنظم متينة قابلة للصمود والتحدي والتطور والاستمرار.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.