
العميد الركن المجاز
فايز عمرو
أهم مفاصل الأزمة السورية، تأثير الحرب الأكرانية عليها؟ ما هو الحل؟
لطالما كانت سورية وما زالت بؤرة توتر ساخنة وعدم استقرار، والقضية الأكثر حساسية في المنطقة نظرا لموقعها الجيوسياسي المهم. حيث تقع على تماس مباشر مع الملفات الساخنة الثلاث في المنطقة: العراق، لبنان وفلسطين. علاوة على كونها بوابة أوروبا برا الى الخليج العربي. وهي تؤثر وتتأثر بها.
لقد تحولت سورية نتيجة سياسات النظام الخاطئة من لاعب أساسي في شؤون الإقليم، وعامل استقرار يحظى بقبول دولي الى ساحة تنافس وصراع إقليمي ودولي، وملاذ آمن لاستقطاب عشرات الميليشيات والتنظيمات الراديكالية الإرهابية العابرة للحدود.
تعددت الأطراف المتدخلة في الملف السوري على خلفية مصالح متعارضة كليا أو جزئيا، مما خلق نوع من الاصطفاف الإقليمي والدولي لم تواجهه أية ثورة في العالم. كما تباينت مستويات تأثير الأطراف الإقليمية والدولية سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو العقائدي (الأيديولوجي) والاجتماعي مع تفاوت المقاصد والأهداف التي يتبناها كل طرف.
- كان تدخل نظام الملالي الإيراني في الشأن السياسي، العسكري، الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي والديني السوري مخططا بعناية وحاضرا قبل بداية الحراك الشعبي السلمي بسنوات عدة، حيث كانت سورية موضع اهتمام الخميني المقبور منذ سنوات الحرب العراقية-الإيرانية، غير أن هذا التدخل أخذ منعطفا حادا بعد وفاة الأسد الأب. ثمة من يعطف التدخل الإيراني على مقولة حماية المراقد الشيعية المزعومة والحفاظ على استمرارية نظام الأسد، لكن الحقيقة تقتضي الاعتراف بأن التدخل الإيراني في الشأن السوري يتجاوز مسألة استمرارية نظام دمشق الى السيطرة الكاملة على القرار السياسي السيادي السوري وتصفية رأس النظام إذا اقتضت الضرورة، والمضي قدما في المسارات المتعلقة بنظرية الأمن القومي الإيراني، مع التركيز على الجانب العقائدي المذهبي كغطاء للوصول الى الأهداف الاستراتيجية. يمكن ايجاز بعض أهم هذه المسارات بالتالي:
- فرض حصار استراتيجي على دول مجلس التعاون الخليجي من خلال تكريس النفوذ الإيراني في بلاد الشام والرافدين واليمن، والوصول الى المياه الدافئة على ساحل المتوسط، وخلق نوع من الحصار الجغرافي على تركيا.
- تصدير الإرهاب بجميع أشكاله المادية والفكرية، من خلال الحرس الثوري الذي يتبنى مقولة تصدير ثورة الكراهية والقتل والتهجير والاستيطان، وأذرعه الإرهابية السرية والعلنية المنتشرة في دول المنطقة.
- استخدام كافة الوسائل لإحداث تغيير ديمغرافي استراتيجي في بنية المجتمعات العربية، من خلال تهجير وإبادة كل من يعارض مشروعها الفارسي وتوطين عناصر الميليشيات الطائفية الإرهابية، لتغيير موازين القوى المجتمعية لصالح المشروع الفارسي.
بطبيعة الحال، من خلال قراءة ميدانية للواقع في عموم الأراضي السورية، يمكننا استنتاج أن تدخل نظام الملالي في الشأن السوري يشكل خطرا وجوديا على دول وشعوب المنطقة، ويختلف كليا عن تدخلات كافة الأطراف الأخرى الإقليمية منها والدولية.
- أما الموقف الروسي حيال الأزمة السورية كان الى جانب النظام السوري في تبنيه الحل العسكري الأمني لمواجهة الحراك الشعبي السلمي منذ البداية. وكان تعامل الروس مع الأزمة السورية باعتباره صراعا دوليا على سورية، متعدد الأطراف إقليميا ودوليا. اعتبروا انه من الواجب عليهم توفير الحماية للنظام، بما يؤدي الى منع الدول الغربية تجريدهم من أهم القلاع المتبقية لهم في المنطقة من حقبة الاتحاد السوفييتي. نجحت روسيا باستعمالها حق النقض في مجلس الأمن في حماية النظام السوري من خلال منع صدور قرار أممي بتنظيم حملة عسكرية لحماية المدنيين على غرار ما حدث في ليبيا، كما عارضت اتخاذ أي قرار دولي لفرض عقوبات اقتصادية ملزمة ضد النظام. وسارعت الى تأمين تواجدها العسكري المؤثر من خلال تخصيص قاعدة حميميم الجوية لصالح الطيران الروسي وتوسيع قاعدة طرطوس البحرية، وضمان تواجد البحرية الروسية أيضا في ميناء اللاذقية، علاوة على تواجد وحدات قتالية من الشرطة العسكرية الروسية، الى جانب التواجد الأمني الاستخباراتي الكثيف في عموم مؤسسات الدولة السورية تحت يافطة عناصر ومجموعات استشارية.
من المعلوم بأن التدخل العسكري الروسي المباشر في الازمة السورية بدأ في 30 أيلول 2015م حيث شنت الطائرات الحربية الروسية ضرباتها الجوية ضد قوى المعارضة، مستهدفة القرى والبلدات والتجمعات السكنية المعارضة لنظام الأسد، مستهلة عملية عسكرية هي الاوسع والأطول للجيش الروسي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. تم توجيه ضربات جوية من قبل سلاح الجو الروسي وبعض القطع البحرية والضربات الصاروخية. استطاع الجانب الروسي تجاوز الدور الإيراني في تبني مقولة حماية النظام السوري من جهة، وتثبيت دوره الأساس في معادلة حل الأزمة السورية.
- في حين أن الموقف التركي من الأزمة السورية يحتاج الى مجلد خاص، وفيه الكثير من المفارقات والأضداد. يمكن القول بأن الموقف التركي من الأزمة السورية في البدايات بني على منظور يتجاهل وجود قوى إقليمية أو دولية سيكون لها دور أساس في الأزمة وامتداداتها. هذا المنظور كان له تداعيات كارثية على الجانب التركي، سوف يكون الشعب السوري ضحية هذه الكارثة لاحقا. أما التدخل العسكري التركي المباشر (ولو جاء متأخرا عن القوى الأخرى) وفقا لتصريحات المسؤولين الاتراك، يهدف الى بسط السيطرة على كامل الشريط الحدودي بعمق يصل الى 30كم. غير أن التواجد العسكري التركي بالعمل مع الفصائل المسلحة السورية الموالية لها اقتصر على مناطق درع الفرات، غصن الزيتون ونبع السلام تحت ذريعة حماية الامن القومي التركي، والقضاء على التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ومنع قيام كوريدور ارهابي انفصالي في الشمال السوري يمكن ان يهدد وحدة الأراضي التركية.
بالعودة الى حادثة اسقاط الطائرة الروسية * SU-24*في 24 تشرين الثاني 2015م من قبل سلاح الجو التركي وما صاحبها من توتر خطير في العلاقات التركية الروسية. يمكننا القول بأن طبيعة الموقف الروسي، وعدم استجابة الناتو للمطالب الأمنية للجانب التركي، وإدراك القيادة التركية أنها في مأزق خطير، قد أثر بشكل مباشر على مسار العلاقات الروسية التركية، وانعطفت أنقرا بزاوية منفرجة من أجل تصحيح الخلل الذي احست به في علاقاتها مع موسكو. بطبيعة الحال لقد كانت حادثة اسقاط الطائرة الروسية وما آلت اليه بمثابة صافرة البدء من أجل التحضير لمؤتمر أستانة الاستخباراتي كمطلب أساسي روسي بهدف نزع الغطاء الأممي عن الأزمة السورية.
- بالعودة الى قضية تنظيم داعش الارهابي: بإطلاق سراح العناصر المتطرفة وأصحاب السوابق وتجار المخدرات من سجون ومعتقلات الأسد، والتقائهم مع اقرانهم القادمين من سجون ومعتقلات المالكي في العراق وبتوجيه ورعاية مباشرة من نظام الملالي. تم تشكيل تجميع استخباراتي إرهابي خبيث عابر للحدود بدون عوائق تذكر. لقد كان الشعب السوري وثورته على الظلم والاستبداد من أولى ضحايا هذا التنظيم الإرهابي، كما كان مصير الشعب العراقي لا يختلف مطلقا عن مصير الشعب السوري.
- نتيجة تقاعس وعدم اكتراث المجتمع الدولي وفي المقدمة الدول المؤثرة بالقضية السورية، لا سيما بعد التظاهر بنزع الأسلحة الكيميائية من ترسانة النظام العسكرية. وعلى الرغم من تحقيق إنجازات أممية هامة في القضية السورية بدءا من بيان جنيف الى القرار الأممي 2254 تاريخ 18.12.2115م، تمت سرقة الملف السوري من قبل لصوص الدول الضامنة الثلاث واتلفت محتوياته المقلقة لنظام الأسد وداعميه، ونقلت المداولات الخاصة بالمسألة السورية من منصة الشرعية الدولية في جنيف لتحط رحالها في الأستانه حيث أروقة استخبارات الدول الداعمة لنظام دمشق الإرهابي.
في حقيقة الأمر لم تكن رحلة الخيانة الى الأستانه سوى مسرحية قذرة أراد مخرجها إدانة ثورة الشعب السوري بلسان وفد المعارضة الذي يفترض أن يكون ممثلا لها كما يدعي. افتتحت هذه المنصة نزولا عند رغبة الكرملين من أجل روسنة كل مفاصل التحكم بالأزمة السورية. وقد بدى ذلك جليا من خلال التدخل التركي غير الأخلاقي باختيار كافة أعضاء ما يسمى وفد المعارضة السورية الذي يضم ممثلي 14 فصيل مسلح. اللافت للاهتمام وكسابقة في تاريخ المؤتمرات الخاصة بقضايا الشعوب أن يضم وفد معارض ممثلين عن أربعة عشر فصيلا مسلحا وهم عبارة عن مجموعة من الأشخاص الفاسدين والجهلة والعملاء وبعض صغار الضباط غير المؤهلين والمرتبطين بالعديد من اجهزة الاستخبارات المعادية للثورة وبعض أصحاب السوابق، في حين يضم وفد النظام مجموعة من العاملين في مجال السياسة الخارجية والحقل الدبلوماسي بقيادة ممثل النظام السوري في الأمم المتحدة.
في جميع الأحوال لم يكن مسموحا لوفد المعارضة حتى قراءة مضمون البروتوكولات التي تم توقيعها بحوافر أعضائها. وكان الجانب التركي يعمل ما يراه مناسبا للتعليمات التي ترده من قيادته الأمنية وليس السياسية. وقد يكون رأس هرم القيادة السياسية مضللاً. لعل الأيام القادمة كفيلة بكشف ذلك.
- أصبحت الازمة السورية رهينة استخبارات الدول الثلاث روسيا، إيران وتركيا. ضاربة عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية ومنها قرار مجلس الأمن الدولي ** 2254 ** تلك القرارات التي توصل اليها المجتمع الدولي نتيجة التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري. هكذا وضعت عملية الانتقال السياسي السلمي للسلطة الذي يبنى عليها روح القرار المذكور في ملفات استخبارات تلك الدول. ولم يعد يتم التطرق اليها إلا إذا اقتضت المصالح المتناقضة كسلعة في بازار المساومة على نحو خال من ابسط القيم الأخلاقية والإنسانية في إطار ذرائعي خبيث.
- على هذا النحو تحول الملف السوري بموافقة الأمم المتحدة الى مجرد ملف خاص بالدول المشاركة في إبادة وتهجير السوريين. والشيء المحزن بأن دور الضامن التركي لم يتعدى أكثر من كونه صوريا. في أحسن الحالات يبحث عن مصالحه المتناقضة مع مصلحة الشعب السوري. نؤكد مرة أخرى على ما ذكرناه أنفا بأن الموقف التركي من ألفه الى يائه كان متخما بالمفارقات العجيبة والمتناقضات، بمعنى أدق لا يعبر عن كونه موقف دولة تتمتع بأدنى درجات الشعور المسؤولية حيال قضية شعب ووطن.
- باختصار صودر القرار السوري بجميع أبعاده من قبل الدول المؤثرة، ولم يعد سواء للنظام السوري أو المعارضة الفاسدة كرسيا للجلوس حول الطاولة المستديرة الخاصة بالوضع السوري ولو بصفة مراقب. كما أصبح كل ما يتعلق بالشأن السوري حتى في جانبه المعاشي والإنساني رهين التوافق الدولي.
- قبل الحرب الروسية الأوكرانية كان التواصل مع الروس من قبل الدول الفاعلة (أمريكا، أوروبا) مفيدا لإيجاد نوع من التوافق الدولي نظرا للدور الهام والمؤثر للجانب الروسي من الناحية العسكرية والسياسية، وإمكانية تشكيل ضغط حقيقي على موقف نظام الملالي ونظام الأسد للرضوخ الى متطلبات الحل السياسي والقبول بالمرحلة الانتقالية، وتحجيم الدور الإيراني نظرا لوجود علاقات اقتصادية وسياسية متوازنة نسبيا مع الجانب التركي.
- جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتنسف جدران الثقة المعول على بنائها مع الروس كطرف في معادلة حل الأزمة السورية. انتقل الجانب الروسي لا سيما في الأيام الأولى للاعتداء على الأراضي الأوكرانية بنفس عقلية الغطرسة والعدوانية وسياسة الأرض المحروقة التي مارسها على الأراضي السورية.
بدأ الجيش الروسي حملته بتدمير البنى التحية واستهداف التجمعات السكنية في العديد من المدن الأوكرانية، وتوجيه ضربات جوية وصاروخية واستخدام كافة وسائط التدمير في المحاور التي تقدم عبرها بهدف ترهيب وتهجير الشعب الأوكراني على غرار ما فعله في سورية.
لعل تدفق موجات اللاجئين والنازحين الأوكران نحو الغرب الأوروبي هربا من الموت يعيد الى الذاكرة تدفق موجات النزوح من المدن والبلدات الى الشمال السوري نتيجة الضربات الجوية والصاروخية الروسية، ويؤيد الرأي القائل بأن التدخل الروسي في سورية لم يكن بدافع منع سقوط النظام. لأن مقولة انهيار الدولة السورية آنذاك لم تكن صحيحة مطلقا. حيث كان تحت تصرف النظام السوري العدد الكافي (من حيث الكم والكيف) من القوات المسلحة وأجهزة الأمن وعشرات الميليشيات الإرهابية المسلحة المحلية والفلسطينية والأجنبية علاوة على وجود مباشر للحرس الثوري الإيراني الإرهابي. بل كان التدخل العسكري الروسي بهدف الحفاظ على المصالح الروسية وتعزيز التواجد العسكري المباشر شرق المتوسط وعلى تماس مباشر مع النقاط الساخنة في المنطقة، حيث تحول الوجود الإيراني السياسي والعسكري والأمني الى مصدر تهديد حقيقي للمصالح الروسية.
في هذا السياق تتحمل المعارضة السورية المسؤولية التاريخية لعدم التوصل الى تفاهم حقيقي منذ بداية الأزمة مع الجانب الروسي كطرف دولي هام ومؤثر وخلق فجوة بين الجانبين الروسي والإيراني. لأنها وضعت كافة أوراق المعارضة في سلة واحدة وتعاملت مع الجانب الروسي في جميع المنابر الدولية كطرف معادي حتى قبل التدخل العسكري المباشر.
- في مواجهة الموقف الغربي المؤيد للشعب الأوكراني بدأت التصريحات العدوانية تنطلق من الكرملين، ملوحة باستخدام السلاح النووي، وتهديد دول الاتحاد الأوروبي بقطع امدادات الطاقة والغاز، والتهديد باستخدام القوة ضد الدول التي ترغب بالانضمام الى الحلف الأطلسي، والتهديد بعدم الالتزام بالاتفاقيات والعقود المبرمة معها. وتهديد الأمن الأوروبي عموما مستندا لأوهام إمبراطورية قيصرية.
من المؤكد بأن الشعب الأوكراني كان ضحية الحرب التي يشنها الروس بحجج غير مبررة، كما حظيت هذه الحرب تأييد ودعم ومشاركة من قبل النظامين الإيراني والسوري على نحو واضح وصريح. كما كان الشعب السوري ضحية حرب الإبادة والتهجير التي شنها ولا زال نظام دمشق بمشاركة النظام الإيراني والروسي، مع فارق وحيد فقط هو أن الموقف الأوروبي والأمريكي كان داعما سياسيا وعسكريا وماديا للقيادة الأوكرانية المتواجدة على أرضها. في حين بقي الموقف الغربي لا مباليا في التعامل مع المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري واقتصر على التعامل الأمني الاستخباراتي. وتركت المعارضة تحت رحمة مجموعة من الجاهلين والفاسدين وأصحاب السوابق الذين فرضوا من قبل كافة الدول المتدخلة في الملف السوري. أي أن التعامل الغربي والأمريكي مع الملف السوري كان استخباراتيا وليس سياديا من قبل أجهزة الدولة السيادية. بينما كان التعامل مع الملف الأوكراني من خلال أجهزة الدولة السيادية والأمنية معا. كما أن الموقف الغربي كان محابيا للتدخل الروسي المباشر في سورية، بينما كان معارضا بشدة للتدخل الروسي في أوكرانيا.
- بهذا الشكل أصبح الجانب الروسي في الوقت الراهن خارج دائرة أطراف الصراع الساعية لحل الأزمة السورية. في حين كان من المعول عليه أن يكون حلقة الربط الأساسية في الحل قبل بداية الحرب الروسية الاوكرانية.
- النظام السوري بجناحه السياسي والعسكري عبارة عن كائن متوحش سادي الطبع كما عهدناه لم يتحرك له جفن منذ اعتقال الطفلة طل الملوحي الى تهجير شعب وتدمير وطن من أجل الحفاظ على كرسي الاستبداد والظلم والقهر والعبودية. كلما أمعن في القتل والتهجير وإذلال الشعب زادت شهيته على شاكلة ديناصورات متوحشة في مواجهة الأبرياء من أبناء البلد. في حين أنه كان ولازال عبارة عن دمية قابلة للحركة حيث يشاء الروسي أحيانا أو الإيراني.
في خطوة حمقاء لإرضاء أسياده اعترف نظام دمشق بمنطقتي أبخازيا وأوسيتيا الواقعتين تحت النفوذ الروسي وأقام علاقات دبلوماسية معهما. كما أعلن عن دعمه المطلق للحرب الروسية على أوكرانيا منذ بدايتها. وصرح رئيس النظام بأن روسيا اليوم لا تدافع عن نفسها فقط وإنما عن العالم وعن مبادئ العدل والإنسانية، واعتبر بأن العدو الذي يجابه الجيشان السوري والروسي واحد، ففي سورية هو تطرف وفي أوكرانيا هو النازية. على هذا النحو اعتبر الشعبان الأوكراني والسوري مجرد مجموعات نازية ومتطرفة.
كما اعترف نظام دمشق بتبعية شبه جزيرة القرم للدولة الروسية. وأكد استعداده للبدء بعملية الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا. مما سبق يمكن القول بأن نظام دمشق لم يعد طرف مؤيد فقط بل ومشارك في الحرب العدوانية على أوكرانيا وليس الساعي للسلام. كل ذلك من أجل كسب الجانب الروسي لحماية سلطته الاستبدادية ولو على حساب شعبه ووطنه.
- لعل موقف النظام السوري الواضح والصريح من القضية الأبخازية والأوسيتية، ومن مسألة شبه جزيرة القرم، وتأييده المطلق للحرب الروسية على أوكرانيا، واعترافه بتجزئة التراب الأوكراني، يحرك الضمير الغربي الأوروبي والأمريكي من أجل رفع الغطاء عن ممارساته القمعية وجرائمه المرتكبة بحق الشعب السوري. وهذا يطلب من النخب الوطنية السورية استثمار موقف هذا النظام المجرم لتعريته أمام الرأي العام الأوروبي الذي بدأ يدفع ثمن الحرب المجنونة التي يشنها الروس على جمهورية أوكرانيا.
- بهدف الاستفادة من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية. حدثت تغيرات ملحوظة في الموقف التركي حيال الملف السوري وتقاربه من نظام بشار الأسد المجرم بوساطة روسيا التي تسعى لكسب تركيا الى جانبها بعيدا عن ارتباطها بالناتو، وفي محاولة لإضعاف تأثير دول الناتو على الطرف التركي في مجمل القضايا الساخنة.
مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وبهدف تخفيف الضغط على الجانب الروسي والتفرغ لإدارة الحرب الأوكرانية في مواجهة الغرب الأوروبي والأمريكي الذي فتح كافة أبواب ونوافذ الدعم العسكري والمادي والسياسي للقيادة الأوكرانية. لجأ الجانب الروسي الى ممارسة الضغط على الحكومة التركية والنظام السوري من أجل الانخراط في مسلسل المصالحة الشبيه بمسلسل الأستانة.
بدأت تطفوا على السطح تصريحات دبلوماسية متتالية من الجانب التركي تؤكد على ضرورة فتح القنوات الدبلوماسية على مختلف المستويات مع نظام دمشق. وأنباء عن اجراء لقاءات ثنائية بين قادة الأجهزة الأمنية التركية والسورية. كل ذلك دون أن يقابله ولو مجرد تلميح من قبل النظام السوري يعبر عن حرصه للاستجابة لطروحات الاتراك من أجل التعاون لإيجاد حل ما لقضية ملايين النازحين واللاجئين التي تعتبر القضية الأساس بالنسبة للجانب التركي.
لم تلقى التصريحات التركية صدا لدى الجانب السوري، على العكس تماما ظهرت في وسائل الإعلام تصريحات استفزازية اتهامية من وزارة الخارجية ضد الجانب التركي، وتصريحات من بعض أعضاء مجلس التصفيق تضع شروط مهينة للجانب التركي خارج إطار اللغة الدبلوماسية.
في جميع الأحوال، لم يكن الهدف الروسي من مسألة التقارب التركي -السوري هو تغيير سلوك نظام دمشق العدواني ولو بالحد الأدنى الذي يطمئن الجانب التركي بأن ثمة تغييرات تذكر في موقف هذا النظام وإرادته لإيجاد حل مقبول لقضية اللاجئين والنازحين التي تعتبر القضية المقلقة للقيادة التركية في الظروف الراهنة. بل كان يهدف وبكل وقاحة دبلوماسية الى تغيير سلوك الحكومة التركية في تعاطيها مع النظام السوري، وضرورة تسليم الأراضي السورية التي تتواجد فيها القوات التركية للنظام السوري باعتباره حق طبيعي. كما كان يهدف الى ممارسة الضغط على الحكومة التركية من أجل طرد كافة مؤسسات المعارضة الموجودة على الأراضي التركية، والتخلي عن الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، والسماح بدخول مؤسسات النظام اليها.
بطبيعة الحال، إذا ما تم ذلك سوف تشهد تركيا موجات متتالية من اللاجئين والهاربين من الموت الى الأراضي التركية. لأن الدبلوماسية الروسية لازالت حتى هذه اللحظة تعتبر المعارضة عبارة عن مجموعات إرهابية متطرفة. علاوة على أنها تعتبر التدخل التركي في الأزمة السورية اعتداء صارخ في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.
- مما سبق يمكن التنبؤ بأن مصير التقارب التركي السوري على هذا النحو لن يكون مغايرا لمصير مسلسل الأستانة الذي سلم للنظام مناطق تخفيف التوتر مجانا دون أن يخسر طلقة واحدة، لقاء مكاسب صفر على الشمال للجانب التركي والشعب السوري.
هذا يعني بأن الجانب الرابح فيه هو نظام دمشق القاتل، علاوة على أن كون تركيا البادئة بطلب التواصل مع نظام دمشق سوف يؤكد صوابية موقف النظام السوري، وسيكون بمثابة اعتراف بالذنب وإدانة للتدخل التركي في الأزمة السورية. وسينعكس ذلك سلبا على مستقبل حزب العدالة والتنمية وسيعزز موقف المعارضة التركية. وقد يلجأ النظام السوري الى مقاضاة الحكومة التركية في المحافل الدولية.
- موقف نظام الملالي الإيراني الشريك لجزار دمشق، جاء بالتوازي لمحادثات فيينا مع الولايات المتحدة الأمريكية حول احياء الاتفاق النووي، وكان مؤيدا وداعما للحرب الروسية على أوكرانيا، واعتبرها رأس نظام الملالي كنتيجة طبيعية لسياسات الدول الغربية.
زادت غطرسة وعدوانية النظام الإيراني (مع انشغال الجانب الروسي في إدارة الحرب الأوكرانية) في استمرارية السيطرة على الأرض ومصادرة ما تبقى من القرار السوري والتأكيد على أنه اللاعب الأساسي في المعادلة السورية ومنطقة الشرق الأوسط لا سيما بعد انسحاب بعض الوحدات الروسية من الأراضي السورية.
على نحو أكيد سوف تستغل الطغمة الحاكمة في إيران انشغال الحليف الروسي في أوكرانيا من أجل زيادة النفوذ والهيمنة على كافة مؤسسات الدولة السورية، وستزيد من مساعيها العنصرية الطائفية للمضي قدما في عملية التغيير الديمغرافي وعلى نحو الخصوص في دمشق وريفها والمنطقة الوسطى والشرقية.
- المؤسف بأن الإدارة الأمريكية لا زالت تسعى من أجل تنفيذ الوعود الانتخابية للرئيس جو بايدن بالعودة لإحياء الاتفاق النووي المشؤوم. في محاولة غير منطقية لكسب موقف إيران خارج دائرة التأثير الروسي أعطت نظام الملالي الإرهابي جرعة مقوية لاستمرار وجوده في الأراضي السورية كأحد مكاسبه من العودة الى الاتفاق.
- أما الموقف الإسرائيلي من الأزمة السورية يبقى في إطار منع التواجد الإيراني العسكري الذي يشكل تهديدا لأمنها ضمن الأراضي السورية.
على الرغم من محاولتها اتخاذ موقف الحياد من الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنها لم تكن بأي حال مؤيدة للحرب، مما خلق فجوة في العلاقة مع الجانب الروسي، هذه الفجوة تركت آثارها السلبية على إمكانية التوافق على حل سياسي تكون فيه روسيا طرفا إيجابيا. غير أن الشيء الهام بالنسبة للأزمة السورية هو استمرار الاستهداف الإسرائيلي للوجود الإيراني دون عرقلة من الجانب الروسي. والاعتقاد السائد بوجود تفاهم ضمني بين الجانبين لتحجيم الدور الإيراني لأنه بات يشكل خطرا على الأمن الإسرائيلي من جهة وعلى المصالح الأساسية للجانب الروسي.
- إن طبيعة الحرب الروسية على أوكرانية وتأييدها من قبل النظام الإيراني، وتجاوز النظام السوري مسألة التأييد الى إرسال مرتزقة للقتال الى جانب الروس واستعداده للاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، واعترافه بأن شبه جزيرة القرم هي أراض روسية، علاوة على اعتبار أن الروس يقاتلون النازية في أوكرانيا. يسلط الضوء على طبيعة التحالف الثلاثي العدواني، ولعله يوجه رسالة واضحة للغرب الأوروبي والأمريكي من أجل تصور مدى خطورة نظام بشار الكيماوي وعصابة ملالي طهران على الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم.
- مهما طال أمد الأزمة السورية، فلن يكون هناك انتصار عسكري لأحد طرفي الصراع، كما أن المجتمع الدولي قد أصبح على قناعة تامة بأن رأس النظام السوري وأركانه الذين مارسوا القتل والفساد، وكافة رموز المعارضة الفاسدة وأمراء الحرب وقادة الميليشيات المتطرفة لن يكون لهم دور في سورية المستقبل.
- ومهما طال أمد الحرب الروسية الأوكرانية. لن يكون هناك طرف غالب وأخر مغلوب، سوف يجلس الطرفان على مائدة التفاوض بهدف الوصول الى حل يرضي طرفي الصراع برعاية أممية. مع الأخذ بعين الاعتبار الى حد ما تفرضه القوة من وقائع على الأرض بعيدا عن الأمنيات الوطنية. على جميع الأطراف التحلي بروح المسؤولية والواقعية. الحرب وتبعاتها سيئة للجميع ولا يوجد طرف مستفيد من الحرب. يعتبر السلام فقط هو الجرعة المفيدة للجميع.
مما سبق يمكنا البناء على أن الحل يبدأ وفقا للتسلسل التالي:
- رفع الغطاء الأوروبي الأمريكي والعربي عن نظام بشار الكيماوي، وإبعاد رأس النظام ومنظومته الفاسدة الاجرامية، وجميع رموز المعارضة الفاسدة وأمراء الحرب بالوكالة وقادة الفصائل والميليشيات المسلحة، وإحالتهم الى العدالة بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية ذات الصلة.
- فتح باب الحوار مع الجانب الروسي من أجل الوصول الى توافق بناء يقدم التطمينات المتعلقة بالحفاظ على المصالح الروسية في إطار السيادة الوطنية السورية، واقناعه بضرورة رفع الغطاء عن منظومة الأسد والقبول بوضع القرارات الدولية الخاصة بالشأن السوري ومنها القرار ** 2254 ** موضع التطبيق. بالإضافة الى التواصل مع الجانب الصيني باعتباره إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وقوة دولية مؤثرة.
- تشكيل هيئة وطنية سيادية يرأسها عسكري في المرحلة الانتقالية، تضم الهيئة عدد متساو من العسكريين والمدنيين من مختلف التخصصات. تنقل كافة صلاحيات الحكومة السورية ورئاسة الجمهورية الى الهيئة السيادية. تقود الهيئة المرحلة الانتقالية حتى انتخاب مجلس وطني يتولى مهمة صياغة دستور دائم للبلاد، وإصدار قانون جديد للأحزاب، وتشكيل هيئة دستورية للإشراف على الانتخابات التشريعية والمحلية والرئاسية، والانتقال الى مرحلة الاستقرار الوطني.
- تشكيل هيئة وطنية للإنصاف والمصالحة الوطنية، ودعم عمل كافة اللجان المحلية المنبثقة عنها بإشراف المنظمات الدولية ذات الصلة.
- تشكيل مجلس عسكري انتقالي، يتولى مهام قيادة الجيش والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي وأجهزة الأمن في المرحلة الانتقالية، ويتصدى لمهمة إعادة هيكلة الجيش وبناء جهاز أمن وطني. بالتعاون والتنسيق الميداني مع لجنة خاصة تنبثق من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يشرف المجلس العسكري على:
- إنهاء الوجود العسكري والأمني الإيراني، وطرد كافة الميليشيات المذهبية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني الإرهابي من جميع الأراضي السورية.
- بموجب خطة تنفيذية صادرة من الهيئة السيادية الوطنية، إنهاء عمل وتواجد كافة المنظمات والجمعيات والمجالس الإيرانية واللبنانية والعراقية ذات الطابع السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي والديني المذهبي.
- إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني التركي من عموم الأراضي السورية وإيجاد حل للفصائل المسلحة المنضوية تحت الإدارة الذاتية شرق وغرب الفرات ضمن الإطار الوطني وبما يتناسب مع عملية إعادة هيكلة الجيش السوري وأجهزة الأمن.
- انسحاب القوات المسلحة، والعناصر والمجموعات الأمنية، وكافة المنظمات التركية المتواجدة على الأراضي السورية تحت مسميات مختلفة.
- وضع وتنفيذ الخطط المناسبة لحل مشكلة فصائل المعارضة المسلحة ذات الطابع العسكري أو الأمني وفق المنظور الوطني لإعادة هيكلة الجيش السوري وأجهزة الأمن.
- إخراج كافة العناصر والمجموعات والفصائل المسلحة الأجنبية المتواجدة في الشمال السوري. وإنهاء تواجد كافة المنظمات الإغاثية التي تعمل خارج سيطرة الهيئة السيادية الوطنية.
- وضع وتنفيذ الخطط المناسبة لحل كافة الميليشيات المحلية في عموم أراضي البلاد، ومصادرة كافة أنواع الأسلحة وتجميعها وإعادتها لمستودعات الجيش والقوات المسلحة.
- وضع وتنفيذ الخطط الكفيلة بالحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي ومنع حدوث عمليات الانتقام والثأر، وخلق جو من الاستقرار الوطني لممارسة الهيئة السيادية مهامها على الوجه الأكمل خلال المرحلة الانتقالية وصولا الى مرحلة الاستقرار الوطني.
- بسط سيادة الدولة على الحدود البرية والبحرية والجوية، وضبط عمل كافة المعابر والمنافذ الحدودية مع دول الجوار.
الخاتمة: إن نهاية الحرب الروسية الأوكرانية ستضع حدا لفصل مأساوي من تاريخ البشرية. وسيكون عاملا مساعدا للبدء بوضع حد لمأساة الشعب السوري، من خلال الشروع بعملية الانتقال السياسي السلمي للسلطة في سورية وفقا لقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار رقم 2254 تاريخ 18.12.2015 الصادر من مجلس الأمن الدولي.
السلام المستدام حلم الجميع، هذه المنطقة تعاني من ويلات الحروب منذ ما قبل الحرب الكونية الأولى، وهي تعاني من الاستبداد والقمع والقهر والعبودية. أن الأوان لكي يتحرك ضمير المجتمع الدولي ويرفع الغطاء عن الأنظمة القمعية المجرمة ويساهم في إعادة ملايين النازحين واللاجئين لديارهم التي هجروا منها.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها