صفاء شاوي

أكاديمية سورية

معركة الوعي

الوعي كلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك و تواصل مباشر مع محيطه الخارجي  ولا تحلو الحياة إلا حين تصير مكابدةً بين مبدأ تؤمن به وواقع يتحداك ويستفزك وقد يكون الوعي وعياً زائفاً عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله ويكون أيضاً وعياً غير واقعي أو وعياً جزئياً و إن تقدم الأمم لا يعتمد فقط على ما تملكه من ثروات مادية وبشرية فهي تحتاج إلى أفراد مسلحين بالوعي المجتمعي والمعرفة بمقتضيات الواقع ومتطلبات المستقبل والوعي مشروع للوطن وشعبه ويحمل الكثير من الأمنيات والتطلعات والعلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية المجتمعية تستلزم بناء مجتمع واعٍ حاضراً ومستقبلاً ويتطلب الوعي المجتمعي من الأفراد إدراك دورهم بتحمل مسؤولياتهم المجتمعية وللمؤسسات الرسمية والإعلامية دور في صقل الوعي بمختلف المجالات لتحقيق مجتمع يكون الإنسان فيه مبدعاً  وهذا يتطلب جهداً وكثيراً من البذل والعطاء فلا عطاء بدون معرفة ولا معرفة دون وعي ولا وعي دون مؤسسات ناهضة وفاعلة تتوافر فيها عناصر القوة والتأثير والاتصال الفاعل مع المجتمع وأفراده ويحتاج الوعي المجتمعي إلى تطوير الذات الإنسانية ومراقبة الإنسان نفسه بما يملك من أفكار ومشاعر وسلوك وثقافة ما يفعم طاقته بالحيوية والانفتاح والتطور والارتقاء وهذا يؤسس فهم الإنسان لواقعه من صعوبات وتحديات وفرص ومجالات قوة ومواطن ضعف وبغياب الوعي الإنساني لا يكون المجتمع واعياً فتجارب الأمم الواعية تؤكد أن الوعي المجتمعي هو الترنيمة التي يزدهر بها المجتمع ومن هنا يأتي دور المثقفين والمفكرين والمبدعين والأندية الثقافية والجمعيات المعنية بنشر الثقافة والتي تحتاج بدورها إلى الاهتمام  لكي تؤدي دورها المنشود في حقل الثقافة والفكر لأنها قلب الأمة النابض ولسان حال شعوبها وإن كل فرد منا هو عنصر فاعل ومؤثر بالوعي المجتمعي بمختلف انتماءاتهم وفئاتهم وإن ما يتسلح به أفراد المجتمع من ثقافة صحية في هذه الظروف جزءاً من ثقافتهم وانعكاس لوعيهم المجتمعي وليس المهم أن يكون الإنسان ساعياً نحو التغيير وحسب لكن الأهم من ذلك أن يكون هذا الإنسان واعياً لمعنى التغيير ولقد كانت الثورات العربية بمثابة نقطة تحول في حياة الشعوب العربية ووعيها العام ولأول مرة منذ استقلالها تطالب صراحةً حكامها بالتنحي والابتعاد عن السلطة وتطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية ومحاربة الفساد والمفسدين وأن بعض هذه الثورات نجح وبعضها الآخر فشل ولكن حركة الجماهير مهما بلغت أثمانها فقد شكلت نقطة تحول في علاقة كل الشعوب العربية بحكامها سواءً كان هؤلاء الحكام أفضل أم أسوأ من هؤلاء الذين حكموا الدول العربية قبل عقد من الآن فلم يكن الكثير من أبناء الشعوب العربية يعرف عن الدساتير التي تحكمهم والقوانين التي تنظم حياتهم أو طبيعة من يحكمونهم فكان الوعي السياسي محدوداً ولم يكن للشأن العام أهمية كبرى في حياة الملايين من أبناء الشعوب العربية فكانوا مجرد مستهلكين للثقافة ومتلقين لما يتم طرحه عليهم باعتباره حقائق شكلت رأيهم في القضايا العامة و قبل عقد من الآن كانت معظم الشعوب العربية لاتقف في طوابير الانتخابات فكانت معظم المؤسسات الحكومية صناديق سوداء للمواطنين لا يجرؤ أحد على الاعتراض أو مناقشة أنشطتهم أو طبيعة الأشخاص العاملين بها أو من يتولون قيادتها وبعد الثورات العربية تغير ذلك فأصبح المواطن العربي في العديد من الدول العربية يقف في طوابير الانتخابات ويطلع على الدستور وينظم الحركات العامة ويطالب بالمحاسبة والمساءلة والشفافية ويهتم بمتابعة كل القضايا العامة ويحرص أن يكون له رأي فيها  وإن كل هذه التغيرات السياسية في العديد من الدول العربية تم تصفيتها لاحقاً وعاد المواطن العربي للانكفاء على شأنه وحياته الخاصة  وأصبح يصارع من أجل مجرد البقاء لكنه مخطئ من يعتقد أن هذا التحول  كان مجرد استثناء والحقيقة أن هذا الوعي والتغيير السياسي الجديد الذي مارسته وشاركت فيه الجماهير الشعبية حتى وإن زال لكن أثره في الذاكرة سيبقى وسيكون حافزاً لاحقاً لمزيد من التغيرات في المستقبل وحتى شعوب الدول العربية التي لم تشهد هذه الثورات عام 2011 قد حاولت الدفع في اتجاه التغيير لاحقاً ومازالت تحاول وستظل دائماً لأن خبرة انتفاضات عام 2011  وما ارتبط بها من ثورة الوعي العام لا يمكن أبداً محوها أو تجاوزها مهما حاول البعض فقد كانت مكاسب الثورات العربية مضاعفة فالثورات العربية مثلها مثل كل الثورات العالمية قد عرت ورقة التوت التي طالما دار بها رجال الدين وعلماؤه في العالم العربي وهذه التعرية لم تكن فقط لتحيزات رجال الدين السياسية والكشف عن انتهازيتهم  وتبعيتهم وضعفهم أمام الحكام لكن الأهم أنه تمت مراجعة حدود وقدرات رجال الدين ومعارفهم العامة والتي اتضح أنها في معظم الأحوال لا تساوي إلا صفراً كبيراً.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: