حسن النيفي

باحث وكاتب سوري

الخطر الإيراني يداهم الأردن من البوابة السورية

ما الذي يجعل الأردن شديد القلق حيال ما يجري في سورية؟ أهي الغيرة الشديدة على استمرار نزيف الدم السوري منذ أكثر من عقدٍ وما يزال؟ أم غيرته القومية على بلد شقيق دمّرته الحرب وقوّضت فيه كل ما هو جميل وأطاحت بالمكانة الهامة التي كان يشغلها إزاء القضايا المصيرية للأمة؟ أم أن قلقه ناتج عن تداعيات المقتلة السورية التي تطايرت شظاياها إلى معظم دول المنطقة، ودول الجوار على وجه الخصوص، إذ كان الأردن في مقدمة الدول التي دخلها آلاف اللاجئين السوريين بحثاً عن ملاذٍ يقي أرواحهم براميل الأسد وأشكالاً متعددة من الموت لم تترك لهم موطئ أمان في بلادهم؟ مثل تلك التساؤلات وسواها تستمد مبرّر حضورها من التصريحات والمواقف الأردنية المتعاقبة بخصوص القضية السورية، ولعل آخرها تلك التي أدلى بها وزير الخارجية الأردني السيد أيمن الصفدي أثناء لقائة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الثالث من تشرين ثاني الجاري، أثناء زيارة الأخير إلى الأردن ضمن جولة له على دول المنطقة، إذ أكد الوزير الأردني على أهمية (المبادرة العربية) وفقاً للوزير الصفدي، كي تأخذ دورها في إيجاد حل للقضية السورية، مشيراً في الوقت ذاته إلى إيجابية التواجد الروسي في الجنوب السوري، كعامل مهم في استقرار المنطقة.

يمكن التأكيد على أن جميع مخاوف الأردن وأشكال قلقه مشروعة، أيّاً كانت بواعثها وأسبابها، سواءٌ أكانت بسبب التداعيات الإنسانية والأعباء الناتجة عن إيواء اللاجئين السوريين، أو بسبب الضرر الاقتصادي الناتج عن توقف التبادل التجاري مع نظام الأسد منذ عام 2011 ، أو سوى ذلك، ولكن ما هو واضح أن جميع تلك المخاوف لا ترقى إلى مستوى الخوف الذي بدا يباغت الحكومة الأردنية، بل ويقض مضجعها، وأعني الخطر الذي يتدفّق تجاه الأردن متمثلاً بأمرين: أولهما المدّ الطائفي لميليشيات إيران المنتشرة في الجنوب السوري، بل يمكن التأكيد على أن لواء (فاطميون) بات هو القوة الأكثر حضوراً وتحكّماً بالحدود السورية الأردنية، وثانيهما أطنان المخدرات بأصنافها المختلفة التي لم تعد تقوى السلطات الأردنية على إيقافها وتدفقها باتجاه الأردن، وذلك بحكم الشراكة القائمة بين ميليشيات إيران ونظام دمشق على تصدير منتجهم من الكبتاغون الذي بات يشكل مصدراً أساسياً من مصادر تمويل نظام دمشق ومشتقاته الطائفية. ولئن باتت المعابر الحدودية بين عمان ودمشق هي القناة التي تعبر من خلالها بواعث الخطر والخوف، فما الذي دفع الأردن إلى السعي لفتحها وإعادة العلاقات مع نظام الأسد، وهل للسياسات الأردنية دور في دفع هذا الخطر أم في تكريسه؟

 في حزيران من العام 2021 قام ملك الأردن بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وحينئذٍ التمس الملك عبد الله من الرئيس بايدن أن يتيح له انفتاحاً ولو جزئياً على نظام الأسد، وقد تحقق له ذلك، وعلى أعقاب تلك الزيارة تقرر تزويد لبنان بالغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، تزامناً مع انفتاح تجاري وديبلوماسي أردني نحو دمشق، فضلاً عن فتح الحدود بين الطرفين وتفعيل حركة العبور والسفر والتبادل التجاري، في خطوة مستثناة من عقوبات قيصر التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على نظام دمشق، ولم يكتف الأردن – آنذاك – بتلك الخطوة، بل أراد الخروج بها من إطارها المحلي الخاص، إلى فضاء إقليمي ودولي، أي أراد أن يجعل من انفتاحه على نظام دمشق مبادرةً تحظى بالتعميم، وربما رأى فيها مفتاحاً لبدايات حل سياسي للقضية السورية، ولتعزيز هذا المسعى قام الملك عبد الله بزيارة بوتين في شهر آب 2021، وقد تم الإعلان في أعقاب تلك الزيارة عما سُمّي آنذاك بمشروع ( خطوة مقابل خطوة).

الزيارة الثانية لملك الأردن إلى واشنطن كانت في شهر (أيار 2022 )  وقد حملت في طياتها نقيض ما تضمنته الزيارة الأولى، إذ كان من الواضح أن الترجمة العملية لمشروع ( خطوة مقابل خطوة) قد ضاعفت المخاوف الأردنية، ولم يعد الخطر الطائفي لميليشيات إيران وحده هاجساً أردنياً مخفياً، بل بات الأردن مهدّداً بجعله سوقاً للمخدرات التي باتت مُنتَجاً لملحقات إيران بامتياز، وحينذاك لم يكن أمام ملك الأردن سوى طلب الدعم من واشنطن لمجابهة التحديات التي باتت تراكمها ميليشيات إيران، فهل كان الفشل الذي انتهت إليه مبادرة (خطوة مقابل خطوة) هو الحافز وراء دعوة ملك الأردن إلى إنشاء (ناتو عربي) آنذاك؟

لقد تزامنت تصريحات الوزير الصفدي الأخيرة أثناء لقائه نظيرَه الروسي لافروف مع انتهاء لقاء القمة العربية في الجزائر، ولعل هذا ما دفع البعض للاعتقاد بأن الوزير الأردني قد بحث مع لافروف (مبادرة عربية) فيما يخص القضية السورية، تنبثق من تصور عربي حيال ما يجري في سورية، نتج عن تلك القمة، وذلك بناء على نبرة الحماس الظاهرة في تصريحات السيد الصفدي، إلّا أن جميع المعطيات لا تؤيد ذلك، فالحيّز الذي خصًصه البيان الختامي لقمة الجزائر حول القضية السورية لا يتجاوز اهتمام من اجتمعوا بأية قضية في إحدى القارات النائية، فضلاً عن أن التصريحات الجانبية للمسؤولين الجزائريين بخصوص الشأن السوري تؤكّد أن حرص الحكومات العربية على علاقاتها مع نظام دمشق هي أكثر أهمية من حرصهم على وضع حدّ لمأساة الشعب السوري، فما هي – إذاً – الفحوى من تأكيد الوزير الأردني على دور عربي فاعل أو مبادرة عربية؟ هل هي قائمة على قناعة الأردن بجدوى انفتاح بعض الأنظمة العربية على نظام دمشق؟ أليست الدول العربية الأكثر فاعلية ووزناً في السياسات الإقليمية كالمملكة العربية السعودية وقطر ومصر رافضةً لذلك؟ وما الذي يمتلكه الأردن من مقوّمات ملموسة وواضحة لتلك المبادرة التي يبشّر بها؟ لماذا لا يتحدث عنها بوضوح ويحدّد معالمها على الملأ؟ وهل تحوّلت القضية السورية إلى  لغزٍ عصيٍّ على الإيضاح؟ قد لا يبدو غريباً ألّا تكون (المبادرة العربية) بالنسبة إلى الأردن أكثر من (استغاثة في الهواء) نتيجة خطوة سياسية أقدم عليها تجاه نظام دمشق، فكانت أقرب ما تكون إلى المغامرة التي فتحت عليه باب الشرّ على مصراعيه، وبالتالي هل عدم قدرته على التراجع عن تلك الخطوة باتت تدفعه للدعوة إلى تعميمها؟.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: