
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
الصراع بين الكبار والصغار
الصراع الذي يدور بين الكبار والصغار في عالمنا اليوم هو نفس الصراع الذي عرفه آباؤنا وأجدادنا منذ بدء الخلق الصراع الذي كان ينتهي دائماً بتغيير كفتي الميزان ترتفع كفة وتنخفض أخرى فلا الكبار يظلون كباراً دائماً ولا الصغار يعيشون صغاراً أبداً والذين يعرفون التاريخ بشكل دقيق يذكرون أنه ما أكثر ما انتهت الحياة بكبار وهم في الحضيض وما أكثر ما بلغ صغار قمة المجد وكان الظن أن تنتهي بهم الحياة وهم في القاع.. وهؤلاء يستطيعون أن يدركوا جيداً أن ثمة شيئاً واحداً فقط هو الذي كان يستطيع أن يصنع المعجزة، شيئا اسمه تضامن الصغار فبقوة هذه المعجزة استطاع الضعفاء دائماً هزيمة الطغاة وبهذه القوة طرد السوريون جحافل التتار ومزق العبيد حياة ” نيرون ” وحطم الفلاحون عرش القيصر ولكن هل يؤمن الكبار دائماً بقوة المعجزة..؟! العكس مع الأسف هو الصحيح ، فالكبار في العادة يتعامون عن المعجزة ويمضون في الكفر بها وينساقون وراء ساب الطغيان ويبالغون في احتقار الضعفاء وفجأة تحدث المعجزة بالرغم من كل شيء ويجد الكبار أنهم لم يعودوا كباراً وأن الصغار قد تحولوا إلى عمالقة يدوسونهم بالأقدام ويخنقون منهم كل الأنفاس..! وهذا بالضبط ما يحدث اليوم.. كبار يظنون أنهم – وقد ملكوا كل أسلحة الدمار الشامل – يستطيعون أن يملكوا الرقاب ويستعبدوا الأحرار.. وصغار يتعاونون ويجتمعون من أجل تحطيم الأغلال ودك حصون الطغيان كبار يملكون كل الثروة ويظنون أنهم بالمال يستطيعون أن يشتروا حياة الصغار.. وصغار يمدون أيديهم بعضهم إلى بعض ليخنقوا مع التقاء قبضاتهم أنفاس الطغاة…. كبار عرفوا كيف يستولون في غفلة من الزمن على سلطة ملأتهم غروراً وعمى، وجعلتهم يضربون بالشمال وباليمين.. وصغار يدركون أنهم باجتماع قواهم يملكون أن يحطموا كل الضربات ..! كبار ملأت بطونهم التخمة ولم يشبعوا، فانطلقوا يأكلون طعام الجوعى وينهشون جسوم اليتامى.. وصغار يدركون أن الجوع يمنحهم قوة ليضربوا البطن المتخمة لتنفجر وتنهار..! كبار يحملون سلاح الغدر ويعمدون إلى استغلاله في نهب بيوت الضعاف واختلاس قروش الصغار.. وصغار يتكتلون لإطلاق سهام النقمة واستعادة نور الحق..! ومن هنا يتحدث التاريخ عن المعجزة.. حين يحكي انتصارات الصغار على الكبار.. أيها الكبار.. خذوا حذركم. فما أكثر الكبار الذين يتحولون إلى أقزام.. وما أكثر الصغار الذين يصيرون عمالقة…! هذا لأن الديكتاتورية عند الطغاة تخلق أجيالاً بائسة قلقة مضطربة حانقة بسبب تردي أوضاعها وغموض مستقبلها وشعورها بالإهانة المتتالية وهي ترى بلادها تعج بالخيرات ومنطقتها عامرة بالثروات ومع ذلك فهي تعاني الفقر والحرمان والقمع وإن حجب الحريات وتدهور الأحوال المعيشية وشيوع النهب والفساد وتحول الدولة إلى إقطاعيات لصالح حكامها هو الذي ولد القهر والحرمان لدى هذه الشعوب بسبب الديكتاتوريات العربية وعدم قدرتها على إقامة نظام لإعادة بناء المجتمعات العربية بحيث تستوعب الشعوب في ثقافة ديمقراطية تشيع فيها قيم التسامح والعدل والحرية واحترام حقوق الإنسان والاختلاف في الرأي وهذا مالا يقبله الكبار أي الطغاة .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.