
حسن النيفي
باحث وكاتب سوري
عودة العرب إلى الأسد إنتصار لسطوة الشر الإيرانية
طرح ملك الأردن تصوّره لحل القضية السورية القائم على فكرة ( خطوة مقابل خطوة ) أثناء لقائه بالرئيس بايدن في حزيران عام 2021 ، وأعقبه بلقاء مع بوتين في شهر آب من العام ذاته، إذ أثنى الرئيس الروسي على المقترح الأردني ودفع نحو تشجيعه في التوقيت ذاته، وما إن سمع المبعوث الدولي غير بيدرسون بالمقترح الجديد حتى تلقفه بحماس وعضّ عليه بالنواجد، باعتباره خارطة طريق جديدة تتيح مخرجاً مناسبا لحالة الاستعصاء التي استبدّت في طريق اللجنة الدستورية من جهة، وكذلك سبيلاً يمنح بيدرسون فرصةً جديدة لاستمراره في عمله كوسيط دولي من جهة ثانية، ومنذ ذلك الحين لم تخل الإحاطات المتعاقبة التي يقدمها بيدرسون كل ستة أشهر أمام مجلس الأمن حول الحالة السورية من الوقوف والترويج لفكرة (خطوة مقابل خطوة) كطوق نجاة لحالة العطالة التي ألمّت بالعملية السياسية في سورية.
كان من المفترض أن يكون التجسيد العملي لفكرة ( خطوة مقابل خطوة) من خلال إبداء بعض المحفّزات لنظام الأسد كتشجيع لتفاعله مع العملية السياسية، مقابل أن يقوم النظام بخطوة مماثلة من حيث المرونة والتفاعل، ولكن التداعيات التي أعقبت زلزال السادس من شباط شهدت مبادرات عربية لم تكن مجرّد خطوة أو خطى تنتظر ما يقابلها من نظام الأسد، بل كانت قفزات في الهواء من جانب العديد من الدول العربية لا يقابلها سوى استمرار حالات الحَرَن لدى الأسد، و مع ذلك استمرت القفزات العربية تتهافت إلى حاكم دمشق عبر لقائين وزاريين متتاليين لدول الخليج ومصر والعراق والأردن ، في بداية شهر أيار الجاري، الأول في جدة والثاني في عمّان، قد أفضيا معاً إلى قرار صدر عن اجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم السابع من أيار الجاري يقرّ بالموافقة على عودة نظام الأسد إلى إشغال مقعده في الجامعة العربية.
إذاً هي قفزة بعيدة المدى للدول العربية تجاه الأسد لم يكن أصحابها ينتظرون أي خطوة تقابلها من سلطة دمشق، مما يؤكّد تأكيداً مطلقاً أن مجمل ما قيل في لقائي جدة وعمان عن شروط يضعها القادة العرب لعودة الأسد، وكذلك مجمل ما تضمنه القرار الوزاري للجامعة عن تشكيل لجنة مهمتها التحقق مما سيقدمه الأسد حيال العملية السياسية، نعم كل ما قيل من هذا القبيل لم يكن سوى تستّر باهت وتبرير بالغ الهشاشة لانعطافة عربية صوب جلّاد سورية يُراد البحث لها عن تبرير من شأنه حفظ ماء الوجه أو احتواء حالة السخط الصادرة من الوسط السوري المناهض للأسد أو من الشعوب العربية الأخرى، ولعل ما حاول العرب مواربته والتكتّم عليه، قد فضحته المضامين والرسائل التي تنطوي عليها زيارة رئيس إيران إلى دمشق في الثالث من أيار الجاري، إبراهيم رئيسي الذي جاء مكتنزاً بزهوة انتصار كبير كان قد حصدها في بكين خلال شهر نيسان الماضي حين أبرم جملة من التفاهمات مع المملكة العربية السعودية، وكان أحد شروط تلك التفاهمات ( الصفقة ) اشتراط إيران على السعودية بإعادة العلاقة مع نظام دمشق مقابل ردع إيران للخطر الحوثي في اليمن، وعليه ، جاء رئيسي إلى دمشق لا ليشهد توقيع اتفاقيات ثنائية بين طهران ودمشق ولا ليسلّم على بشار الأسد، إذ بإمكانه تحقيق ذلك لو أراد دون أن ينهض عن كرسيه في طهران، كما كان يمكن له أن يأمر بشحن الأسد إلى طهران – كما في حالات سابقة – في الوقت الذي يشاء، ولكن الأكثر صواباً، وكما حدث بالفعل، جاء ليوجه رسائل شديدة الحسم والإفصاح، أولى هذه الرسائل موجهةٌ إلى نظام الأسد ذاته، تؤكّد له أن إيران ليست فقط من حافظت على نظامه من الانهيار والسقوط، بل هي أيضاً من تولّت تسويقه عربياً وإقليمياً من جديد، وثاني تلك الرسائل ولعلها الأهم ، يوجهها رئيسي للعرب مؤكّداً لهم أن كل مواقفهم السلبية السابقة حيال الأسد، وجميع اشتراطاتهم على جلاد سورية بالابتعاد عن إيران كسبيل لإعادة العلاقات معه، كلّ ذلك مجرّد إرغاءٍ إعلامي تكذبه الوقائع، وإن إيران التي كانوا يطالبون الأسد بالابتعاد عنها، هي ذاتها اليوم من تتولّى إعادة العرب صاغرين إلى الأسد، بل وإيران ذاتها أيضاً هي العرّاب لتلك العملية التي بات فيها (القاتل والمجرم) في الأمس ( فخامة الرئيس ) اليوم. وثالث تلك الرسائل يوجهها رئيسي لإسرائيل ويريد التأكيد من خلالها على أن سورية ستبقى مجالاً حيوياً لإيران، وإذا أرادت إسرائيل الحفاظ على مصالحها الأمنية فعليها التفاوض المباشر مع طهران وعدم السعي للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لعرقلة الاتفاق النووي بين طهران وكلٍّ من واشنطن وقادة الاتحاد الأوربي.
ربما كان الأمر أقلّ مرارةً لدى السوريين لو أن الدول العربية برّرت رجوعها نحو احتضان الأسد بالحرص على مصالحها الأمنية، كالقول بأن السبيل نحو استجداء إيران واتقاء شرّها مشروط بالمرور عبر بوابة الأسد، أمّا أن تكون تلك الردّة العربية مستورةً بشعارات الحرص على عروبة سورية وسيادتها وهويتها القومية وسوى ذلك، فذلك هو مبعث الخذلان والمرارة ، وكأن العروبة والحرص على السيادة لا يتحققان إلّا باستمرار المأساة السورية ومراكمة أوجاع السوريين، وكذلك كأن غيرة العرب ونخوتهم حيال قرينهم الأسدي لن تأخذ مسارها الصحيح سوى باستمرار نزيف الدم السوري.
لم يكن ثمة من أعاد الأسد إلى الحضن العربي، بل الأصح أن إيران هي من أعادت العرب إلى احتضان الأسد، وهي عودة فيها الكثير من الخذلان لقضية هي من أكثر القضايا عدلاً ومشروعية في العصر الحديث، إذ تكفي الإشارة إلى أن اعتبار الأسد طرفاً فاعلاً في حل القضية السورية والتغاضي عن كونه جذر المشكلة، هي مكافأة عظيمة له عبر انتشاله من موقع الجاني وتحويله إلى ضحية، وربما كانت هذه المكافأة العربية للأسد سبيلا يمهد لمكافآت أخرى، إذ لا يُستبعد أن يصدر رأس النظام في دمشق مرسوما بالإفراج عن بضعة عشرات من المعتقلين، من بين (135 ألف معتقل في سجونه) بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وكذلك يمكن أن يصدر مرسوماً يقضي بعودة (غير آمنة) لبضعة مئات من المهجّرين والنازحين من بين (12 مليون سوري يعيشون بين نزوح داخلي وتهجير خارجي) وحينها سوف تُغدَقُ عليها الهبات والأموال مكافأة لمبادراته الإنسانية بحق شعبه الذي قصفه بالبراميل والسلاح الكيمياوي، وما تزال آلة قتله تحصد أرواح السوريين، وحينها سيطلب الأسد المزيد من المكافآت، بل سيعمد إلى ابتزاز المُطبّعين معه جميعاً، بل سيطالبهم بإعادة إعمار ما دمرته طائراته ووسائل توحّشه، كما سيطالبهم بانتشال اقتصاده المنهار وإصلاح البنى التحتية في البلاد، بل ربما سيشترط عليهم أن استمرار المكافآت له ليس مشروطاً بانقطاع تدفّق الكبتاغون نحو بلدانهم.
عودة العرب إلى الأسد ليست خذلاناً للدم السوري والقضية السورية وانحيازاً إلى جانب نظام الإرهاب والإجرام والمخدرات فحسب، بل هي فوق ذلك فصلٌ جديد من الهوان والاتّضاع أمام الغطرسة الإيرانية، وانصياع ذليل لسطوة الشر الإيرانية
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها