
ياسر بدوي
كاتب وصحفي سوري
حرية الصحافة والفوضى
هل يحتاج التحرر إلى حرية الصحافة وصحافة حرة، مع مراعاة حضور مواقع التواصل الاجتماعي والصحفي المواطن، بكل تأكيد نحتاج الى الحرية الصحفية، إذا كنا نريد التحرر والنهضة والإصلاح، وصولاً إلى مجتمع تسوده العدالة والتكافؤ، لكن أية حرية تلك التي نريد حتى لا تنقلب إلى فوضى، كما يحدث هذه الأيام من تضليل وتشويش وتشويه للشخصيات العامة، بالتالي تضلل حرية المعرفة وحرية الكلمة والقول وحرية العمل، إذ كثيراً ما يتوقف الناس عن العمل تحسباً للتشويه وخلط الأمور وهو ما يسمى سياسة الحرق.
التحرر من الاستبداد، يفتح آفاق واسعة للتأملات وعميقة للتفكير، لهندسة البناء الاجتماعي، الذي هو الأساس للانطلاق السياسي والنهضوي وحتى الديني، المعنوي والمعياري.
من هنا الملعب الأول لحرية الصحافة هو الحكومة والصحفي، ويجري الصراع بين هذين الفرقين، الحكومات والسلطات القائمة تسعى لضبط الصحافة على ايقاعاتها السلطوية، وتزيد عندما تطلب السلطات من الصحافة تزوير الحقائق وفي الوقت ذاته تمنعها من الاقتراب من الحقائق، وهي بادية يراها الناس، كما فعل نظام الأسد في تشويه ثورة الشعب السوري عبر الاعلام، لكن صحافة المواطن استطاعت كسر احتكار السلطة للمعلومة وأظهرت شيئا من الوقائع، لذلك لا بد من الحرص على حرية الصحافة وصيانتها بالقانون، وقبل القانون وبعده، بالوعي بأهمية الكلمة وسحرها وقوتها، وأنها جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان وكرامته.
القانون العصري الذي ينطلق من الحاجات الاجتماعية والوطنية وضرورات سيادة مجتمع المعرفة، هو الكفيل بضمان حرية الصحافة، لتنقل الوقائع والمعارف وتحاورها لاستخلاص الحقائق، وضمان لعدم تحول الصحافة إلى فوضى تشوه المعرفة وتضلل الحقائق، وما يترتب عليها من تخريب اجتماعي وسياسي وديني، ولهذه وقفة طويلة، لكن المهم الآن للإنسان العادي، المواطن، عدم الركون إلى معلومات مضللة، وعدم نقلها وترويجها دون التأكد من صحتها، وإن لم يستطع التأكد، فإهمالها خير من نقلها ووضعها على طاولات الحوار.
أولى أساليب التحقق معرفة مصدر المعلومة، غالبا ما نجد كتابات وتحتها مكتوب منقول، من الكاتب، من الناقل، ما هي المعلومات، وما هي مصدرها، جميعها مجاهيل، هذه هي البيئة الخصبة للمضللين، قد يخرج عبر الإعلام شخص معروف ويتحدث عن وقائع أو يتوقع حدوث وقائع، فيحاجج البعض قائلاً: فلان قال؟ حسناً هل أخضعت قوله للمنطق، هل قدم أدلة وتحليل واف وهو يتوقع؟ مثلا فلان قال: أن هناك هجوماً وشيكاً سيحصل على منطقة ادلب، ويقوم الكثير من الناس بتبني هذا التوقع ويتم خلق تيار يتبنى هذا الكلام، مما يثير هلعاً بين الناس دون مبرر، لأن من قدم هذا التوقع أراد الاثارة مثلا أو كسب مادي أو غيرها من الدوافع، لذلك لا بد من التدقيق وترك ما للقدر للزمن فعندما يأتي ومعه رحمه الله، أما اثارة الهلع بين الناس فهذا ليس من حرية الصحافة بشيء؟
الأمثلة عديدة والتجارب مريرة، ما يهمنا هنا فقط التأكيد على حرية الصحافة لتتوفر المعرفة وتخلق آراء صائبة تجعل الناس تعرف مبتغاها، وهذه الحرية مهددة دوما من الأنظمة ومن جماعات الفوضى، وأحيانا تتحد الأنظمة مع جماعات الفوضى لتدمير الصحافة، المعرفة، الحقيقة.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.