
حسن النيفي
باحث وكاتب سوري
الحراك الشعبي السوري ..هل سيكون الصرخة الأخيرة بوجه الأسد
يتزامن حراك الجامعة العربية لإنعاش نظام الأسد مع حراك شعبي سوري عارم يسعى لإسقاط النظام الحاكم وتحرير سوريا من طغمة الإبادة الأسدية التي تُحكِم الخناق على السوريين منذ عقود طويلة. وفي الوقت الذي اجتمعت فيه لجنة الاتصال المنبثقة عن مؤتمري جدّة وعمّان مع وزير خارجية نظام الأسد في الخامس عشر من الشهر الجاري في القاهرة، بهدف إعادة تعويم نظام دمشق وتسويقه من جديد، عبر شرعنة ممارساته الإجرامية واعتبارها سلوكاً مشروعاً من جانب الأسد ضد المؤامرات الكونية التي تستهدف سوريا وفقاً لرؤية لجنة الاتصال، وكذلك عبر تجاوز القضية الجوهرية للشعب السوري المتمثله في حقه في التغيير واستعادة الدولة من براثن العصابة الأسدية. وفي مواجهة لهذا المسعى المتحالف والمنحاز إلى نظام الإجرام يبرز الردّ الحقيقي للسوريين، ليس على ممارسات الأسد بحق شعبه فحسب، بل ردّاً على جميع المساعي التي تهدف إلى تعويمه والانحياز إليه، بما في ذلك لجنة الاتصال العربية والدول الساعية للتطبيع مع الأسد، ولعلّ قوة هذا الردّ ورسائله البليغة تكون صيحة رادعة ومفزعة لجميع الأنظمة والحكومات التي لم تراع في سياساتها سوى مصالحها الأمنية، وقلّما نظرت إلى مصالح شعبها أو الشعوب الأخرى.
اليوم ينتفض السوريون جميعهم، وبكافة انتماءاتهم ومذاهبهم، وعلى اختلاف مناطقهم، ليؤكدوا بكل قوة أن نظام الأسد ليس جديراً بحكم السوريين وليس جديراً بحكم سوريا الكرامة والحرية، ولعل الأهم من ذلك كله، أن ما تشهده المدن والبلدات السورية من حراك سلمي، جاء متجاوزاً لجميع حواجز السياسة وخطوطها، ولم يكن مقتصراً على جهة دون سواها، فما يجمع المواطنين ويوحّد كلمتهم وتطلعاتهم هو شعورهم بأنهم جميعاً باتوا مستهدفين، نعم إنهم مستهدفون بكرامتهم وأرزاقهم ولقمة أطفالهم ووسائل أمنهم وراحتهم، ما يجمعهم ويوحّد كلمتهم هو إحساسهم جميعاً بأن الكابوس الأسدي لن يستثني أحداً منهم، وأن السلطة الأسدية في طريقها للتضحية بكل مكونات الشعب السوري وإمكاناته المادية والبشرية في سبيل استمرار السلطة وبقائها فقط، ولذلك وجدنا أن الطابع الأبرز للحراك السوري اليوم هو طابع وجودي، أي يجسّد مقاومة الشعب السوري من أجل الحفاظ على البقاء أولاً ومن أجل الحفاظ على أدنى مقوّمات العيش الكريم ثانياً، ولعل هذه السمة الوجودية لحراك الداخل السوري اليوم هي العامل الأهم في تجسير الهوّة بين السوريين وهدم السواتر التي حاول نظام الأسد وأتباعه إقامتها بين السوريين، ولعل خير ما يؤكد ذلك هو امتداد الحراك والاحتجاجات السورية من درعا جنوباً مروراً بالعاصمة دمشق وضواحيها، ووصولاً إلى السويداء ثم مدن الساحل السوري، ولا شك أن هذه المساحة من الجغرافيا السورية لا تنضوي ضمن تيار سياسي أو اتجاه فكري أو أيديولوجي واحد، بل يمكن التأكيد على أن حركة الاحتجاجات تجاوزت التصنيفات السياسية المعهودة، ودخلت في طور جديد هو طور الدفاع عن الذات وعن الحق في الوجود والاستمرار في العيش في مواجهة سلطة غاشمة لا ترى في سوريا وشعبها سوى مزرعة يعود ريعها للسلطة.
إن ما تشهده سوريا من حراك سلمي ومن احتجاجات مختلفة الأشكال، إنما يحيل إلى علامات شديدة الدلالة سواء على المستوى السوري أو على مستوى الجهود الإقليمية التي تنحاز إلى نظام الأسد، ولعل من أبرز هذه العلامات:
أولاً – إن معظم المنتفضين والمحتجين على سياسات النظام اليوم، هم في قسم كبير منهم، لم يكونوا من المناهضين للنظام أو ممن حاولوا التعبير عن رفضهم لمنهج نظام الأسد، بل ويمكن الذهاب إلى أن قسماً منهم كان يميل إلى تبنّي روايات النظام وسردياته في بناء مواقفه، ولكن يبدو انه حتى هذه الشريحة التي يمكن تصنيفها على انها أقرب للموالاة للنظام، لم تستطع سلطة الأسد الحفاظ عليها، كما لم تستطع أن توفّر لها أدنى مقوّمات العيش، وذلك بالتوازي مع جميع مظاهر السرقة والفساد والبذخ لدى شريحة أخرى هي الأقرب للنظام، ولعل ذلك يؤكّد أن نظام الأسد يحمل عقمه في داخله، وان آفة النخر التي تدبّ بداخله لا تتيح أي مجال لإصلاحه إلّا بالاستئصال الجذري.
ثانياً – إن موجة الاحتجاجات العامة الرافضة لنظام الأسد ينبغي ان تكون صيحة شديدة الوضوح في أسماع جميع الأطراف العربية والإقليمية الساعية إلى إعادة تعويم الأسد، كما ينبغي ان تفهم تلك الأطراف العربية وغير العربية بأن مسعاها التطبيعي نحو الأسد إنما يجسد تحدياً شنيعاً لإرادة السوريين وتطلعاتهم، باعتباره موقفاً يسيء إلى التضحيات العظيمة للشعب السوري ونضاله من أجل الحرية والكرامة.
ثالثاً – لقد استطاع نظام الأسد ، وعبر إمكانياته الكبيرة التي وظفها إعلامياً وسياسياً، أن يظهر أمام بعض المكونات السورية، على أنه الأب الحاضن والحامي للأقليات السورية، كما أراد أن يظهر أمام المجتمع الدولي على أنه المدافع عن قيم العلمانية والديمقراطية بمواجهة قوى التطرف والتكفير، ولكن انتفاضة السوريين اليوم تكذّب ما حاول النظام ادعاءه، فالذين ينتفضون اليوم هم ليسوا من عرق أو طائفة أو مذهب واحد، بل هم سوريون من جميع المدن والطوائف والاعراق، هم العلويون في الساحل والدروز في السويداء وجرمانا وهم السنة في درعا وسواها، ولتكن رسالة هذا الطيف الواسع المنتفض من السوريين شديدة الوضوح للعالم أجمع بأن مشكلة الشعب السوري مع نظام الإجرام الأسدي ليست مشكلة طائفية ولا عرقية، بل وليست سياسية أيضاً، بل هي ذات جذر أخلاقي إنساني، فما يريده السوريون هو أن يعيشوا بسلام وحرية في دولة العدالة والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا يوجب عليهم جميعاً تعزيز سبل النضال المشترك لاستعادة سوريا من سطوة الأسد وإيران ومشتقاتهما الإرهابية .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها