أحمد عرابي

أكاديمي سوري

من السويداء ودرعا يسطع نور الثورة من جديد 2011 ــ 2023

اليوم وبعد مرور أكثر من اثني عشر عاماً على انطلاق الثورة السورية المباركة التي بدأت شرارتها من درعا يجدّد السوريون والسوريات من جديد روح الثورة في السويداء و درعا وريف دمشق وحمص واللاذقية وغيرها من المحافظات اليوم يتكرر المشهد نفسه وبنفس الشعارات وبنفس التضامن الشعبي حيث تتكرر عبارات واحد واحد الشعب السوري واحد ، الشعب يريد إسقاط النظام ، ويالله ارحل يا بشار والله نظامك ساقط ، هذا ما نادى به الشعب السوري منذ بداية الثورة 2011 و يتكرر نفسه اليوم ونحن في عام 2023 إذاً هذا هو مطلب الشعب السوري إسقاط هذا النظام الاستبدادي الإجرامي ولم يتغير ولكن هذه المرة لن يكرّر المحتجون بعض أخطاء الماضي بل سيجدون طريقةً ما لرصّ الصفوف لكي لا يقع ما وقع بالماضي لكن كيف سينجح هذا الحراك وما السبيل إذا كان ما عانت منه الثورة عام 2011 من غيابٍ للتنظيم وانعدام للقدرة على إنتاج القيادة السياسية والميدانية الموحدة للحراك والآن هو واقعٌ راهنٌ ؟ هل يعني ذلك أنّ الاحتجاج لن يستمرّ أو أنّه سيتوقف ؟ وكيف له أن يتطوّر إلى حالة تنظيمية سياسية شاملة على مستوى سورية بأكملها حتى يكون معبراً للخلاص من هذا النظام الإجرامي الأسدي والتفكير بطرقٍ وأشكالٍ جديدة لدعمِ هذه الاحتجاجات  بكل أنحاء البلاد لأنها ستتكاثر تلقائياً رغم أنها ستبقى متفاوتة بالحدّة والسقوف وستظلّ متفرّقة في النطاق الجغرافي وهنا تأتي مسؤولية دعمها وتأييدها وأن يكون الجميع معاً في المسؤولية من خلال الموقف الوطني والأخلاقي وعدم تسخيف المطالب التي قام الناس من أجلها في بعض المناطق أو التشكيك بها أو السخرية منها  فيكون كمن يطلق النار على قدميه وهو بشكل أو بآخر يقدّم خدمة أيما خدمة للنظام الإجرامي الأسدي فالثورة في سورية لم تكن مجرّد مواجهة ولا مجرّد حدث تقف معه أو ضده وليست مسألة سياسية محضة ولا لحظة تاريخية وفعل تدعمه أو تدعم خصومه بل هي فوق ذلك كله ، هي معيار أخلاقي وإنساني وتاريخي في الخطوات والسياقات التي أصابت وأخفقت بها ، هي أكبر معيار جمالي  لحظة إسقاط التماثيل والأصنام القابعة على عنق التاريخ وزواياه، أصنام لطالما وقفت عائقًا أمام آليات تطور المجتمع وتطوّر وعيه وتجربته التاريخية ، أصنام الطاغية حافظ الأسد وباسل وبشار وصورهم التي كلفت مليارات الدولارات من قوت وثروات الشعب السوري والتي كانت لها حراسة خاصة من قبل أفرع الأمن العسكري لحمايتها , والآن تمر هذه السنوات على الثورة السورية أو بالأحرى على ثورتنا في سورية وكأنها حدث تأسيسي في تاريخ العالم حدث يهدف إلى تعديل السياق التاريخي برمّته ويرسم ملامح انتزاع أطياف الحرية والكرامة من سجونها ومن أقبية المخابرات التي أرهبت الشعب السوري لعقود طويلة فعلى الرغم من محاصرتها وعلى الرغم من مشاهدة الشعب السوري يموت ويهجّر في هذا العطب المسمّى عدالة وحقوق الإنسان ومجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة على مرآى دول العالم بأسره إلا أن ما قام به هذا الشعب السوري العظيم لا ينحصر بأنه مجرّد عنوان سياسي أو مواجهة على مستوى السلطة السياسية بل هو الكشف عن القوى الكامنة في المجتمع السوري وإزالة الغبار عنها فالثورة محاولة لفتح باب المجتمع أمام حركة تطوّره الطبيعية و استعادة المبادرة والمواجهة ونيل الحرية والكرامة والوصول إلى طموحات الشعب السوري ولو كثرت الأشواك أمامه والآن ونحن نقف على أنقاض الماضي والنظر إلى المستقبل المشرق لسورية الحرة نقول لكل من تآمر على السوريين ووقع اتفاقيات أمنية وسياسية أو مصالحة وباع واشترى وتاجر مع هذا السفاح المجرم بشار الأسد بأن كل الاتفاقيات لاغية وباطلة وغير معترف بها وهي غير ملزمة للشعب السوري ومن ظنّ أنّه انتصر بات يعرف الآن أكثر من غيره أنّه المهزوم الأول ليس ثمّة ما يمنع من إعادة قراءة المشهد بل هذا ما يحصل فعلاً فمن وقف مع النظام في بداية الثورة بات على ثقةٍ أنّه حان دوره لزيارة المقصلة ومن ارتهن لإرادة الخارج بات يدرك أنّ الثوب المُعار لا يستُر ومن وقف على الحياد بات يعلم أنّه لا حياد بعد الآن فمن سرق ونهب الوطن لا يشبَع وسيأكل أبناءه حتى ، فهل يطمع  من وقفوا بعيداً عنه بالنجاة  ونحن على أعتاب ثورة جديدة فعلاً ؟ فماذا هم فاعلون وماذا نحن فاعلون لإنجاحها بعد أكثر من عقد من القتل والتشريد والتنكيل والنهب والتعفيش ؟ يصل الحال السوري إلى الخلاصات ذاتها إنما بشكل أوضح ومن دون أي غباش خصوصاً بعد أن فرّط المجتمع والاقتصاد وبعد أن أمعن النظام في الكشف عن وجهه السلطوي البوليسي الاستبدادي القمعي حتى مع من وقف معه وكان مؤيداً له بكل أعماله وأفعاله وقتله وتنكيله بمن قام ضده فاليوم يتكرر نفس المشهد ولكن مع من تبقى من الشعب السوري تحت حكم هذا النظام الإجرامي الذي كشر عن أنيابه فظهر المشهد الحقيقي لمنظومة آل الأسد وآل مخلوف وآل شاليش وانكشف مشهد الانقسام الطبقي الحقيقي الذي لطالما اختصر المشهد في الداخل السوري فالطبقة البرجوازية الأسدية لم يعد ينقصُها إلا بعض الدماء على الشفاه وتحت الأنياب لكي تتماهى مع شخصية مصّاص الدماء الذي تمثّله بالنسبة للمجتمع السوري فقد فرغت تلك الطبقة أو بالكاد من نهب خيرات الدولة ومن امتصاص دماء الشعب السوري ومن ثم انتقلت إلى تجارة المخدرات والكبتاغون فأغرقت البلد والدول المجاورة بهذا الوباء الخطير ومع ذلك بقي بشار الأسد منتصباً على أنقاض الدولة ونظامه بقي على هياكل عظمية ومن أجل هياكل عظمية على جسدٍ يضربه العفن والاهتراء وبقي فوق هذه وتلك على الإنعاش المستمرّ لقوى إقليمية وعصابات داخلية وخارجية ودولية عملت وبشكل مستمرعلى إبقائه صامداً بقوّتها هي لا بقوته هو وبقدرتها هي لا بقدرته هو وبسلاحها وميليشياتها هي وليس بسلاحه وميليشياته التي هي عبارة عن عصابة قطاع طرق استولت على الحكم في سورية وتمكنت من مفاصله ورسخت جذورها في أنحائه ولها عراب في الخارج يحميها دولياً ، ويقف ضد ثورتنا السلمية التي كانت شعارنا منذ الأيام الأولى عام 2011 عندما خرج الناس وحناجرهم تصدح سلمية ثورتنا ثورة حرية والشعب السوري واحد هتف بها هذا الشعب العظيم مردداً ياالله … مالنا غيرك يالله لهذا النداء الصادق والنابع من قلوب السوريين بأنه لا أحد معهم غير الله وأن العالم كله خذلهم طوال اثني عشر عاماً ولكن سينتصر هذا الشعب وستنتصر ثورته التي قام بها فلقد أضافت ثورتنا السورية صموداً جديداً وتحدياً يصبّ في سجل نضال الحرية والكرامة في وجه كل من ساند نظام حكم طاغية مجرم إرهابي طائفي أو حاول التقارب معه أو اللقاء بأركانه من القتلة لتؤكد لكل من يحاول مصادرة قرار السوريين أو فرض وصايته عليهم بأن لا وصي على السوريين سوى أبنائها وأنَّ إرادة السوريين كانت ولا زالت أقوى من إملاءات الغير ووصاياتهم لهذا فإن ما مرّ من معتركات في الثورة السورية ومن خلالها وضعت ما يُسمى أصدقاء الشعب السوري أمام اختبارٍ حقيقي سقطوا فيه عندما أعلنوا أكثر من مرة عزمهم على لقاء الإرهابي بشار الأسد والتقارب معه ناسفين تضحيات أكثر من خمسة عشر مليون سوري مهجر وأكثر من مليون شهيد قتل بيد ميليشيات بشار الأسد وحزب الله وإيران وروسيا وأكثر من مليون معتقل تحت التعذيب في سجون المجرم بشار الأسد لتأتي ردة فعل الشعب السوري الثائر بأنَّ أحرار سورية قالوا كلمتهم بعد كل تصريحٍ صدر من جهات غير سورية تتعلق بمصيرهم ومستقبلهم بأنهم مستمرون بثورتهم حتى النصر  وأنهم سيعيدوا سيرتها الأولى غير ملتزمين بما يصدر من بيانات وقوانين كلها ليست في مصلحة الشعب السوري وأكبر دليل وإثبات للواقع استمرار الشعب بثورته بل أضاءت من جديد من جبل العرب محافظة السويداء ومعها شقيقتها درعا ومن قلب اللاذقية وطرطوس ومن ساحات دمشق وحمص ومن إدلب الخضراء الكل يصدح بقول الشعب يريد إسقاط النظام , وسورية لنا ما لبيت الأسد وحاجي تكذب علينا ارحل عنا واتركنا هذا هو الشعب السوري العظيم الذي يزداد إيماناً فوق إيمانه من 2011  وحتى  2023

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: