
حسن النيفي
باحث وكاتب سوري
الحراك السوري الجديد في جنوب البلاد وشرقه
في الثلث الأخير من شهر آب الفائت تزامن انبثاق مُنجزين ثوريين كبيرين في المشهد السوري، يتجلى الأول في الحراك الذي انطلق من مدينة السويداء في العشرين من شهر آب الفائت، ولاقى استجابة كبيرة من سائر مدن وبلدات سوريا انطلاقاً من محافظة درعا ومدن وبلدات الشمال السوري وصولاً إلى شرق سورية كالرقة ودير الزور، وبعيداً عن فيوضات المشاعر و الأحاسيس التي بدت تنضح بها نفوس السوريين معبّرةً عن نشوة غامرة بتجدّد الثورة واستمرارها، فإنه من جهة أخرى يمكننا الذهاب إلى أن الحراك السوري الجديد لم يقلب الطاولة على نظام الأسد وحساباته الواهمة وحسب، بل كذلك على جميع المرجفين وقوى الثورة المضادة الذين ما برحوا يروّجون اليأس والإحباط والتبشير باندثار الثورة تارةً، وتارةً أخرى بترويج بعض القناعات المزعومة كضرورة التسليم بالأمر الواقع واتباع منهج أكثر واقعيةً، ما يعني الإقرار بهزيمة الثورة وانتصار محور نظام الأسد وحلفائه وفقاً لمزاعم هؤلاء.
وفي ذروة يقظة السوريين وتماهيهم مع الحراك الجديد، انطلق بركان مفاجئ في الشطر الشرقي من سوريا، وتحديداً في مدينة دير الزور، أدّى إلى اندلاع معارك ما تزال مستمرة بين القبائل العربية في تلك المنطقة وقوات قسد، ولئن كان من الصحيح أن السبب المباشر لتلك المعارك هو خلاف شخصي بين قائد مجلس دير العسكري المدعو أحمد الخبيل، وقيادات قسد، إلّا أن ضراوة المعارك وشموليتها تؤكّد أن انتفاضة القبائل العربية تكمن وراءها تراكمات كثيرة تبدأ بالنزعة الإقصائية التي تمارسها سلطات قسد وعدم قبولها بمبدأ الشراكة مع سواها في الحكم، وتنتهي في البؤس المعيشي الذي يعاني منه المواطنون السوريون في تلك المناطق، وذلك على الرغم من الموارد المالية والإقتصادية الهائلة التي تسيطر عليها قسد في المناطق الخاضعة لسيطرتها، الأمر الذي دفع معظم سكان تلك المناطق للاعتقاد بأن سلطات قسد المحكومة بأجندات حزب الاتحاد الديمقراطي لن تكون مختلفةً عن سلطة الأسد من جهة أن السلطتين معاً تنظران إلى المقدّرات البشرية والإقتصادية والمالية السورية على أنها يجب أن تكون جميعها في خدمة السلطة والحفاظ على استمراريتها أولاً، بعيداً عن أي حق للشعب في الاستفادة من ثروات البلاد.
لعل هذا الشعور المتفاقم بالإحساس بالظلم لدى أبناء المكوّن العربي في مناطق سيطرة قسد قد عزز لديهم اليقين بأن المواجهة التي يخوضونها في مواجهة قسد هي معركة للدفاع عن الوجود والحقوق المشروعة وليست مجرّد انحياز لشخص أو قائد ضد مجموعات أخرى، وكذلك هي سعيٌ لا ينبغي أن يتوقف إلّا باسترداد الحقوق المغتصبة وإعادة الاعتبار لأصحاب الحقوق والاقتصاص من الجناة.
ولكن ما هو حريٌّ بالوقوف عنده هو التفكير في المآلات التي يمكن أن تفضي إليها هذه المواجهات الدامية التي لم تعد محصورة في محافظة دير الزور فحسب، بل امتدت إلى غرب الفرات أيضاً كمناطق منبج وجرابلس وبقية مدن شمال غرب سوريا، وفي هذا السياق لا يمكن لأحد على الإطلاق تجاهل المواقف الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية التي ربما بدا صوتها خافتاً ومواقفها خجولة لا ترقى إلى مستوى ما يجري على الأرض، إلّا أنه من جهة أخرى يمكن اعتبار الانكفاء الأمريكي هو انكفاء ( موظّف ) ربما أرادت واشنطن من ورائه ومن وراء عدم تدخلها المباشر فيما يجري إتاحة المجال للقبال العربية لممارسة المزيد من الضغوطات على قسد، وبالتالي إجبارها على الانصياع للتفاوض ضمن شروط تعيد الاعتبار للمكون العربي كشريك فعلي على الأرض في إدارة المنطقة وصناعة القرار وليس شريكاً في الإعلام فقط. وربما أيضاً من غير المُستبعد أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بالتفكير بالتحلّل التدريجي من الارتباط مع قسد، والتفكير بالاعتماد على المكون العربي في محاربة الميليشيات الإيرانية في مناطق شرق الفرات، وخاصة في ضوء الرفض الذي أبدته سلطات قسد في مواجهة إيران وأدواتها في المنطقة.
على أية حال، وعلى الرغم من المنجز الميداني الذي حققته القبائل العربية، إلّا أن ثمة تحدّيات كبيرة يمكن أن توازي ما تحقق من منجزات ميدانية، ولعل أبرز تلك التحديات هو غياب المشروع السياسي لمقاتلي القبائل العربية، في ظل العطالة السياسية للكيانات الرسمية في المعارضة السورية، وكذلك في ظل غياب مشروع وطني له حوامل مادية على الأرض ويمكن للمواطنين السوريين التموضع في ظله في تلك المناطق. ولعل التحدّي الآخر الذي لا يمكن لأحد تجاهله أيضاً هو مدى قدرة القبائل العربية في مناطق سيطرة قسد على حوكمتها لتلك المناطق في حال غادرتها سلطات قسد، وكذلك مدى قدرتها على حيازة أو إنتاج برامج التنظيم والإدارة.
ما من شك بأن وجود التحديات يوازيه وجود الإرادات أيضاً، وكما كان يقيننا كبيراً بقدرة الشعب السوري العظيم على استعادة المبادرة الثورية وإعادة الحراك الثوري إلى واجهة الأحداث في العديد من المدن والبلدات السورية، فإن يقيننا يتجدد أيضاً بقدرة السوريين في شرقي البلاد وفي كافة أنحاء سوريا على إبداع الحلول التي توجبها سيرورتهم الثورية.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها