صفاء شاوي

اكاديمية سورية

التاريخ تشاؤماً وتفاؤلاً

التاريخ يتناول كل شيء.. من أخبار الدول والملوك والعظماء والقادة إلى أخبار الثورات والثوار والمتمردين والمصلحين وأهم الأحداث ونظم الحياة في كل عصر وكل ما استعمله ويستعمله الإنسان في حياته اليومية وعندما ينظر القارئ للتاريخ من ناحية التشاؤم والتفاؤل يجد أن التاريخ البشري ما هو إلا مأساة ويتجه إلى كارثة كبرى تصيب الجنس البشري فنحن نعيش في عالم من التعاسة والبؤس وأن هناك من الألم والشر في هذا العالم أكثر مما هناك من الخير والسعادة وأن معظم الأحداث في تاريخ البشرية تؤيد ذلك ، فأي كتاب للتاريخ عن الحضارات والحكام والملوك تقرؤه تجد فيه  الصراعات والموت والخراب والحروب التي تستمر لسنوات بالغزو والكوارث وسقوط دول وإمبراطوريات بالقتل والموت والمرض والأوبئة وبجانب هذه الحروب وكوارثها فقد اكتسحت المجاعة الجنس البشري الذي مازال يصر ويصمم على الحروب وقتل أخاه الإنسان ويكفي أن ننظر إلى قرننا هذا لنرى كم من حروب قد قامت وكم من كوارث حطت علينا نحن البشر فأمام كل اكتشاف رائع في التاريخ كان هناك مئة وباء مهلك، ومقابل كل حاكم عادل كان هناك ألف طاغية ومجرم حرب وسفاح, إن البشرية عاشت وتعيش في فوضى فمنذ ظهر الإنسان على هذه الأرض كان جل تفكيره في معظم الأحيان كيف يسيطر على إنسان من بني جنسه أو يقتله ومنذ قتل قابيل هابيل لم يستغرق الأمر طويلاً كي يعرف البشر أن القوة هي المحور الرئيسي للعبة وهذه المعلومة الصغيرة قادت إلى مواجهات أكبر وأكبر وحتى اليوم كانت الحرب هي الطريقة لحل مظلمتنا إذا كانت لنا مظلمة أو طغياننا وهو الأصح في الغالب واستمر الإنسان في اختراع أسلحة جديدة لمحاربة إخوته في الإنسانية من السيوف والسهام والرماح وصولاً إلى صناعة القنابل الذرية والصواريخ , شعوب تهزم شعوباً وعدو الأمس يصبح حليف اليوم في سبيل المصالح الشخصية ويبدو أننا لم نستطع كبح الغضب داخلنا بعد، أو نقمع ذلك الجزء من طبيعتنا البشرية الذي يرغب القوة لنا والاستسلام لأعدائنا وكأن الحرب تشكل لنا توقاً فطرياً للإثارة وكأن ذكاءنا ليس قوياً بما فيه الكفاية لكي نتحكم في عواطفنا فإن الإنسان  مخلوق متناقض ابتدع الوسائل العلمية والزراعية لينتج ما يكفي لإطعام العالم ومع ذلك مازالت المجاعة متفشية هزمنا بعض الأمراض الخطيرة لكن هناك الكثير لم نتمكن من السيطرة عليها ولقد سهلنا أمور موتنا باختراعاتنا الحديثة فقد اخترعنا العجلة والعربات والقطارات والسفن والطائرات والصواريخ فمكننا كل ذلك من أن نحرق وندمر ونقتل ونُقتل بسهولة أكثر, حروب وحوادث واصطدامات وانفجارات كل اختراع له مزاياه ولكن أيضا له عيوبه هذا هو الإنسان وحياته على الأرض حتى الوقت الحاضر كل ما هو محزن وشرير ومأساوي في تاريخنا من الكوارث الطبيعية كالسيول والبراكين والفيضانات والأوبئة والمجاعات التي تسبب فيها الإنسان من حروب واغتيالات وتمرد ودمار وحرائق وانفجارات ومذابح وقتل جماعي وإعدام وحشي .. الخ فنحن البشر لسنا كاملين بالطبع فلنا أخطاؤنا الكبيرة والصغيرة ولم نستطع أن نرى بعد كيف يمكن أن نتعايش جميعاً في سلام ومازال بعض منا جوعى للقوة ، شرهين للشر ومازال هناك مرض وجوع وهناك من لا يجد مأوى، هناك حروب وغزو وقسوة ووحشية فالإنسان يظل إنساناً يغلبه هواه أحياناً مهما تحلى بالموضوعية كما أن بعض الأحداث قد تكون شؤماً عند فئة معينة وفألاً  لفئة أخرى مهما كانت نتائجها على مسيرة البشرية سواء بالخير أو بالشر إلا أن الأمر إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده كما يقول المثل , فنحن العرب مثلاً كنا نعتقد أن الحكام بشر مثلنا منهم الفاسد ومنهم الظالم ومنهم الطاغية ولا يوجد بينهم الصالح ولكن لم نكن نتوقع بأن يسلطوا علينا جيوشهم الفاسدة وأن يقتلونا بالسموم والكيماوي والبراميل والصواريخ  المتفجرة وتبين لنا حينئذٍ أن هؤلاء ليسوا بشراً مثلنا   ولا يملكون أي  مشاعر إنسانية أبداً , إنهم وباء وسرطان ومرض لا دواء ولا شفاء منه إلا باقتلاعه من جذوره والتخلص منه تماماً , كنا نعتقد أن هذه الجيوش التي صرف عليها مليارات بل تريليونات الدولارات من قوت الشعب ما هي إلا لحماية هؤلاء الحكام , فلو نظرنا إلى ما فعله جيش عصابة الأسد الأب ومن بعده المجرم ابنه المجرم بشار الأسد من قتل واعتقال وتعذيب وتنكيل بالمتظاهرين وتهجير الشعب نجد أن هذا الجيش ليس إلا وسيلة للطاغية في مواجهة من يقف ضده ولا يجد حرجاً من ارتكاب أشد الجرائم الوحشية وأشنعها بربرية وأبعدها عن كل معاني الإنسانية وكل ذلك بواسطة الجيش الذي تربى على إطاعته الإطاعة العمياء حتى في قتل الأخ لأخيه والأب لابنه والولد لأبيه فالذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء وهذه القابلية هي وحدها التي يعتمد عليها الطغاة والنفس التي تُستذل تأسن وتتعفن , فالإجرام الذي مارسه السفاح  بشار الأسد على السوريين لمدة اثني عشر عاماً بواسطة جيشه الفاسد من قتل وتدمير استُبيحت سورية وشعبها وحاضرها ومستقبلها ورهن البلاد بعمالته للأقزام الإيرانيين المتعطشين للانتقام من أهل السنة وقتلهم , والروس المتوحشين الذين لم يتركوا بيتاً أو مسجداً أو مدرسةً أو مشفى  أو سوقاً تجارياً إلا وتم قصفه بطائراتهم  وحتى مخيمات اللاجئين لم تسلم هي أيضاً من حقد هؤلاء القتلة وهذه حقائق لا يمكن أن ينكرها أحد وسيؤكدها التاريخ عندما يحكي للأجيال القادمة من السوريين ما عانته بلادهم خصوصاً خلال هذه السنوات من الحرب المدمرة التي قضت على الأخضر واليابس على يد جيشٍ من أبناء وطنهم ضباطاً وعسكريين خانوا العهد والوطن والشعب وانضموا إلى صف الطاغية ضد أهلهم وإخوتهم هؤلاء يتحملون المسؤولية التاريخية عن كل ما جرى في سورية من الخراب والدمار والوبال والشر الذي تعيشه سورية الآن، فدمروا البلاد ووضعوها في مصاف الدول المدمرة والمتخلفة في كل المجالات فينبغي على السوريين أن يفكروا لأولادهم في غدٍ أفضل وتربيتهم على حب الوطن والولاء له فقط وليس للحاكم والدكتاتور والطاغية أياً كان ضابطاً أو سياسياً في الدولة والحكومة فالكثير من الضباط الشرفاء المنشقين عن عصابة الأسد والصادقين قولاً وفعلاً من القادة والمقاتلين الذين وقفوا إلى جانب الشعب ضد هذا الطاغية المجرم وضد هذه المنظومة الفاسدة القاتلة فهؤلاء هم مَثل الجيوش في وضعها الطبيعي الذي هو حصناً للأمة ودرعاً لمواجهة المخاطر والتحديات وبذلك تكتسب أهمية بالغة في الوجدان الشعبي بوضعها أداة عزة وكرامة ودفاعها عن الشعوب وليس قتل الشعوب فالأمم والشعوب تحتفي بالجيوش التي ترتكز عقيدتها العسكرية على قيم الشجاعة والعزة والنجدة والتضحية بالغالي والنفيس من أجل الوطن والمواطن وجيوش من هذا الطراز تستحق كل ما يُبذل للرفع من معنوياتها وتمكينها من كل مقومات التفوق والانتصار حتى تؤدي المهمة النبيلة المنوطة بها على أكمل وجه ولكن حين تنحرف عن ذلك تفتقد كل مسوغ لوجودها وتصبح عبئاً مرهقاً ثقيلاً ودماراً للوطن والشعب الذي وضع كل آماله وثقته بهذا الجيش الحامي له ولوطنه فما يريده الشعب السوري في سورية المستقبل بعد سقوط الأسد وعصابته الفاسدة هو إعادة بناء جيش على أسس وطنية بقيادة الضباط الشرفاء الذين صانوا العهد والوعد والقسم الذي أقسموا عليه وهمهم حب الوطن والدفاع عنه وعن الشعب الذي يمثله هذا الجيش.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: