
العميد محمد العبيد
المجلس العسكري السوري
بين المشهدين
من مسافة الرؤية البعيدة تختفي التضاريس الخاصة، وتحل محلها الملامح العامة ومن هذه المسافة الشاسعة تبدو اللوحة أكثر بروزاً وأكثر وضوحاً خاصة عندما يتعلق الامر بحالتين بعيدتين زمنياً ولكن ما يجمع بين هذين المشهدين هو دموية الأول وعنفه ، أما الثاني فتمثل بحالة من الصدمة التي طالت رأس النظام المجرم بشار الأسد مباشرة وعطلت كل نشاطات الوعي والإدراك ومآل ذلك تجلى واضحاً بما حصل في معقل جبل العرب السويداء وصولا إلى سهل حوران شرارة الثورة الأولى وقائدتها.
لقد أفرز المشهد الأول من فصول الثورة السورية حالة من (القوة بلا عقل) فنفلت عِقالُ المجرمين ضرباً باليمين والشمال مخلفين وراءهم تلال من الجماجم وضحاياهم من الأطفال والنساء، لقد سمم هؤلاء الغزاة أفواه القرى بإرهابيين مدربين في أوكارهم عاملين على القتل كمنهاج حياتي لهم.
نعم لقد كانت قوتهم بلا شرعية، لأن شرعية الغاب نفسها يصعب أن تبرر كل هذا الحقد والتدمير الإبداعي لكل أسباب الحياة وألوانها ومصادرها، كما جوبهت بقوة بلا منطق، لأن المنطق هنا كان معكوساً إذ أن القوة ينبغي هنا أن تتحرك في إطار أهداف سياسية محسوبة وممكنة يسبق ذلك تحديد أدواتها ومسارها وطبيعتها، إن الاستخدام المفرط والعشوائي للقوة كان نتيجته واضحة من القتل والتدمير وصولاً للتهجير والتغييب القسري وبالتالي فإن الهدف هو ما تصل إليه القوة، والنتيجة هي ما تنتهي إليه، لقد كان المشهد الأول فصلاً دموياً فالقوة العسكرية هنا هي التي تقود السياسة وليس العكس وهذا ما يفسر لنا الإسراف والإفراط في استخدام أسلحةٍ محرمةٍ دولياً دون الوصول لنتائج سياسية تنهي الحالة والمشهد الأول الدامي.
أما المشهد الثاني فقد تحول لمأزق حقيقي فأن ينحشر النظام المجرم في زاوية ليتحول بعدها لمجرد كيس ملاكمة يتلقى الضربة تلو الضربة وبالتالي ادخال النظام المجرم في معضلة حقيقية حيث أن القوة هنا تستطيع التدمير وأن تزيد في أعداد القتلى بمنجل مسنون لكنها في النهاية لن تستطيع أن تفرض شروطها النهائية لأنها لا تستطيع انتزاع إرادة القتال من قلوب هؤلاء ولا حتى هضمها ولا حتى زرع الفتنة في حقولها وفوق ترابها .
وأخيراً لقد حققت المسافة بين المشهدين ما هو أكثر تأثيراً على أرض الواقع لقد كانت الاثني عشر عاماً كفيلة بملء المجرم وأدواته إحساساً بالعجز التام لا بل رافقه شلل في كل أطرافه في مقدمة لسقوطه المدوي .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.