حمزة ابو حمدان

كاتب وصحفي سوري

بيانات مشايخ الموحدين الدروز ولعبة النظام

المتتبع لبيانات مشايخ عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز، بخصوص الحراك الشعبي في السويداء، لابد أن يلحظ تغيرا واضحا. او ما يمكن تسميته بالتباين خاصة بين الشيخين حكمت الهجري ويوسف جربوع.

قبل الدخول في تفاصيل هذا التباين ، او التراجع ،من قبل الشيخ جربوع  ،دوافعه وأسبابه ، لابد من القول أن التماسك ووحدة الموقف اللذان تجليا في البيان الأول ، الصادر عن المشايخ الثلاثة ،بدا وكأنه “سحابة صيف” في الأوساط الدرزية العارفة في التفاصيل ، العلاقة القائمة بين المشايخ الثلاثة .

لكن هذا التساؤل جرى تجاوزه ولسان حال أهالي السويداء يقول: لعل وعسى أن يكون هذا “صحوة” أو تبديل من رحم المعاناة الكبيرة التي يرزح تحتها السوريون، او كما قال الشيخ الهجري” عودة عن الخطأ”.

لكن ما هي إلا أيام قليلة وقد ذاب الثلج وبان المرج، وخرج الشيخ جربوع ببيان وسطي تراجع فيه عن النبرة القوية والمطالب العالية التي كانت صدرت في الأول .

هذا الأمر قرأ في السويداء على أنه يدل على تدخل النظام و”مونته ” على الشيخ جربوع لإصدار هذا البيان .

وما صدر لاحقا عن المتقاعدين العسكريين والمحامين في نفس الخانة.

وهنا لابد من الإقرار بحقيقة قد لا تعجب الكثيرين، وهي أن النظام بارع في شق الصفوف، واللعب على الخصوصيات والحساسيات، فهو صاحب مدرسة عريقة في هذا الاختصاص، يعرفه السوريون واللبنانيون وحتى العراقيون وغيرهم ..

اذا سلمنا بهذه الحقيقة، فإنه لم يعد مستغربا  ما يحصل. بل السؤال سيكون ما الثمن ومن سيكون الضحية كي تكتمل فصول الفرقة والفتنة. ؟؟

قبل أيام قليلة، ومع دخول الاحتجاجات أسبوعها الثالث بالزخم نفسه أو أكثر، جدد الرئيس الروحي للطائفة الدرزية حكمت الهجري ، دعمه للحراك الشعبي ضد النظام، مؤكداً عدم التراجع “عن المطالب المحقة والمشروعة”.

ورداً على تصريح شيخ العقل جربوع الذي أعلن انحيازه إلى جانب النظام، قال الشيخ الهجري، خلال لقائه مع وجهاء المنطقة في بلدة المزرعة في ريف السويداء الغربي ” من يريد بيع كرامته هو حر لكنه غير مخول ببيع كرامة ربعه”.

وأضاف: “بكل أسف وصلنا في وطننا إلى مرحلة شعرنا بها بالذل. وإياكم والفتنة واحذركم من أزلام يهدفون إلى تسخيف موقفكم. وسيحاسبهم المجتمع في الأيام القادمة هم ومن سخرهم لهذا الأمر ضد أهلهم في الجبل.

 وأردف الهجري “نحن لسنا لوحدنا، الله معنا وشرفاء الوطن معنا في الداخل وفي كافة أرجاء العالم، وليأخذ كل فرد منكم دوره الفعال في هذا الحراك من خلال موقعه أو منبره أو من الساحات”.

يذكر أن التمايز بدا واضحا بين مشايخ العقل الثلاثة على ترتيبهم تباعاً، بعد يوم واحد تقريباً على بدء الحراك.

وكان الشيخ الهجري أول من أيد مطالب المحتجين ، وأصدر بياناً في شهر آب الماضي ، تناقله عدد من وسائل الإعلام، ليتلقفه جمهور الحراك المعارض للنظام، ويصبح مرجعاً ومستنداً ساهم في تصاعد الحراك، ورفع سقف المطالب والأهداف، لتصل إلى الشعارات التي أطلقتها الثورة السورية عام 2011 بإسقاط النظام ورحيل بشار الأسد.

بيان الهجري كان قريبا من الشارع، ولامس كل من على الأرض، تكلم عن أوجاع شعب طال التنكيل فيه تجويعاً وقهراً واستبعاداً ممنهجاً.  بل كان بإجماع الأوساط الأهلية والمتابعة، يكاد يرقى لبيانات الثوار وسلطان باشا الأطرش في الثورة السورية الكبرى.

موقف الشيخ الهجري، تميز عن موقف الشيخين الحناوي وجربوع ، فهو ينحاز بشكل أو بآخر إلى رأي الأكثرية من الناس، ويصدر مواقف وخطابات مؤيدة لكل حراك حصل في السويداء. بل بدأ يتهم مباشرةً الأجهزة الأمنية والحزبية التابعة للنظام بإفساد مجتمع السويداء، وبث الفتنة بين الأهالي وتشجيع العصابات على أعمال الخطف والنهب والقتل، إضافة إلى الاتجار بالمخدرات والسلاح والوقود”.

ولاحقا أيد مشايخ العقل الثلاثة حراك الشارع ، ونشروا بيانا مشتركا حددوا فيه 6 مطالب، بعدما “بلغ الكتاب أجله

وقد جاء هذا على خلاف المواقف التي كانوا يبدونها في السابق حيال الاحتجاجات الشعبية.

لكن بيان الشيخ جربوع في اعقاب اجتماع “عين الزمان ” أعاد الى الاذهان التباين بين المشايخ الثلاثة .

وللعلم هذا التباين ليس جديداً ، بل هو قديم، ويعكس تاريخاً من التناحر والتنافس بين مقامات الثلاثة في السويداء،

بل يعكس شكل وحجم التبعية المتباينة أيضاً لهذه القيادات الروحية للنظام السوري .

تأييد الهجري لبشار الأسد، في العديد من البيانات والخطابات. تسبب في تراجع شعبيته بشكل كبير، على الرغم من امتلاكه وأسلافه من آل الهجري شعبية واسعة في السويداء ، وعلى اثر ما تلقاه  الهجري في عام 2021 من إهانة من قبل الأمن السياسي ، وهو ما اكسبه تعاطفا شعبيا كبيرا وقاد لاحقا لاعتذار رسمي ، فقد أراد الشيخ الهجري ببياناته ،العودة إلى الشارع ، واستطاع بمواقفه هذه أن يصبح قائداً ومرجعاً، اتكأ الحراك الشعبي بشكل أو بآخر عليه، وفي الوقت نفسه شكّل مصدر أمان ديني وعائلي للعديد من الأهالي في المحافظة، حتى بات اسمه وصوره وأقواله مرتبطة بالكثير من ساحات الاعتصام، وعلى العديد من وسائل التواصل الاجتماعي.

مشيخة العقل بأشخاصها الثلاثة ، وان كانت لا تملك سلطة فعلية مباشرة على الناس ،إلا ان جودها وحجم تأثيرها لطالما كان مرهونا بمدى قربها من السلطة ،وغالبا ما استمدت قوتها من علاقاتها مع السلطة وهذا ينطبق تماما ،وخلال عقود على الرئاسة الروحية ،وهذا ما وعته السلطات جيدا وعملت عليه ،حيث لم تستطع  المشيخة أن تشكل سلطة على الدروز ،بمعنى ان النظام ابقى مفاتيح القوة بيده يعطي من يشاء تبعا للقرب من النظام

 اليوم وعلى ضوء البيانات الصادرة فانه يمكن القول إن هذا الواقع ليس بعيداً عن واقع مشيخة العقل في تاريخنا الحالي، والدور الكبير الذي تلعبه السلطات الأمنية في تعزيز مكانة أحدهم على الآخر، والعمل دائماً على تفريقهم واستخدامهم لتعزيز السلطات الأمنية في المحافظة، فقد ظهر انعكاس وتمرد من الشارع المحلي بعد نشوب الثورة السورية عام 2011. وظهر ذلك جلياً في إنشاء حركة رجال الكرامة المناهضة للنظام ولمشيخة العقل في آن معا ، بوقت من الأوقات عندما كان قائد الحركة الشيخ وحيد البلعوس، وربما هذا ما يفسر المواقف المتقدمة حالياً للشيخ الهجري مع الحراك الشعبي”.

باختصار الأمر يتعدى البيانات ويعكس تاريخا طويلا من التنافس، والنظام يعمل دائما على تغذية  هذه الأجواء ، فهو كما اسلفنا بارع في العب على أوتار الفتة وشق الصفوف ، ولا احد في السويداء يستبعد أن يقوم النظام عبر ازلامه في الداخل والخارج ،على اختلاق المزيد من عوامل الانقسام ، وقد يذهب ابعد من هذا كثيرا لإثارة الفتة ، وهذا ما يعيه أهالي الجبل والسوريون عامة.

تواصل الاحتجاجات الشعبية وتصاعدها وتقديمها نموذجا مختلفا ، هو انجاز بارز مهما اختلفت التسميات والتقييمات وهو أمر يستدعي التشجيع والحذر بأن معا . التشجيع لجهة الاستمرارية  والامتداد ،والحذر من النظام فهذا السكوت لا يمكن الركون اليه  فما زالت السويداء أشبه بجزيرة معزولة ،معروفة التضاريس ونقاط القوة من قبل النظام .والخشية كل الخشية أن يرمي النظام بحطبة كبيرة تحرق الكثيرين بنيران محلية ..

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: