
أحمد عرابي
أكاديمي سوري
لا سلام مع الأسد المجرم
لا شك أن أي اتفاق سياسي لوقف نزيف الدماء وحالة الرعب التي تعيشها سورية تأخر كثيراً فقد مر اثني عشر عاماً من الصراع المرير الذي مزق البلد وتسبب في نزوح الملايين داخلياً وإلى دول أخرى كما أن أعداد القتلى أصبحت لا تعد ولا تُحصى ولا يزال المشهد كئيباً إذ لا تلوح في الأفق أي بادرة تشير إلى قرب انتهاء الحرب التي شنها المجرم بشار الأسد على الشعب السوري الذي تحول إلى صراع إقليمي أوسع نطاقاً بسببه ولا يزال الصراع مستمراً وقد انخرطت فيه دول أخرى كإيران وحزب الله اللبناني وروسيا هؤلاء الحليف الأساسي لنظام الإجرام المتواجدين لقتل السوريين والقضاء على كل معارضٍ لنظام الاستبداد الأسدي، ووجود القوات الأمريكية التي تدعم الانفصاليين وتسيطر على حقول النفط في الشمال السوري بالإضافة إلى بعض قوات التحالف الغربي وتركيا التي لديها قوات مشاركة في الصراع ضد ما تسميه محاربة الإرهاب لأمن وحفظ حدودها مع سورية بالإضافة إلى مئات الميليشيات الطائفية التابعة لدول كإيران والعراق ولبنان مع وجود كل هؤلاء الأطراف أصحاب المصالح الخاصة هل يوجد فرصة للسلام في سورية؟ السلام الذي ينشده الشعب السوري دون وجود بشار الأسد وعصابته الفاسدة في سورية المستقبل ولا يوجد أي شك في أن هذا النظام المافيوي قد نجح في أن ينفذ تهديده (الأسد أو نحرق البلد) وقد حرق ودمر البلد فالسلام يعني لا حرب ولا خوف وشعور الناس بالأمان بعيداً عن الرعب والتهديد دون السماح بممارسة أي شكل من أشكال العنف وفق أعراف القانون، والسلام الذي يسعى إليه البشر هو الحديث عن محاولات الخلاص أو النجاة أو البراءة من الأذى والمكروه والحروب المدمرة للشعوب، وهي محاولات لا تنقطع ولا تصل إلى غايتها لأنه لا خلاص للبشر ومجتمعاتهم من النقص والعيب والفناء، وتقف قدرات البشر على تخفيف الأذى وتلافي بعض النقص وعلاج بعض العيوب للحصول على مرحلة أو فترة زمنية من سلام مؤقت ويبدو أن هذا المعنى غير واضح في أذهان الكثيرين الذين يخلطون بين السلام بمعنى النجاة من الأذى وصد الطغاة وبين السلام بمعنى التحية والترحيب بالآخرين, ففي دائرة المعارف البريطانية على سبيل المثال: إن السلام هو “التحرر” من الحروب والعداوات، وهو حالة من الصداقة أو التعاون أو التحالف “للخلاص من شرور الحرب” لذلك لا يكتمل الحديث عن السلام إلا بالحديث عن الحرب التي هي جماع الشرور والأذى والهلاك وفي القانون الدولي السلام هو: حالة الدولة عندما لا تكون في حرب مع دولة أخرى, والسلام الدائم المطلق ليس له وجود بسبب أن الحرب تظل قائمة مهما تقدمت الحضارة أو ارتفع مستوى الثقافة، والحديث عن التقدم والرفاهية والسلام كان له دعاة في القرن العشرين توقعوا أن يؤدي ما تحقق من اكتشافات علمية وابتكارات واختراعات تكنولوجية إلى نجاة المجتمع البشري من شرور الحروب ليتمتع الإنسان بالسلام على الأرض، لكن الحروب فرضت نفسها واستفادت من التقدم العلمي والتكنولوجي وكان من أسبابها : الطغاة في العالم وتجار الحروب فالسلام في دولة ديمقراطية غير السلام في دولة نظامها ديكتاتوري كالنظام السوري الاستبدادي أو النظام الروسي, فالسلام لا ينفصل عن الحرية في المجتمع الديمقراطي لأن الحرية تتحول إلى قلاقل واضطرابات أما في مجتمع ديكتاتوري يتحول إلى عمليات تعذيب واعتقال وقتل فالجنود يحاربون في مجتمع ديمقراطي تحت شعار الحرية بينما الجنود في مجتمع ديكتاتوري يحاربون تحت شعار القوة والسيادة للأقوى وحماية الدكتاتور الطاغية فنحن السوريون لا نطالب بالسلام تحت حكم الطاغية الدكتاتور بشار الأسد بل نطالب بالحرية والسلام دون وجود هذا الطاغية وعصابته الفاسدة فاتفاقيات السلام لا يمكن أن تتحقق بوجود هؤلاء الطغاة مثل اتفاقيات جنيف ولاهاي (1864/ 1906/ 1907/ 1949) التي تشمل القواعد الخاصة بمعاملة الأسرى والجرحى في البر والبحر، وشروط استخدام الأسلحة المحرمة دولياً كالنابالم والغازات السامة والألغام المغناطيسية والأسلحة الجرثومية والكيماوية والنووية كلها اتفاقيات تحولت إلى قصاصات ورق لا قيمة لها فقد اكتفت دول العالم بالتنديد فقط لا غير عندما قام المجرم الطاغية بشار الأسد ومعه الاحتلال الروسي بقيادة مجرم الحرب بوتين باستعمالها ضد الشعب السوري وقتل أكثر من مليون شخص وقصف الشعب بالكيماوي وبكل الأسلحة المحرمة ومازال جاثماً على صدور الشعب السوري وأكد ذلك (جيفري ديلورينتس) نائب المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة أن بشار الأسد لم يسعَ بشكل جدي إلى تحقيق السلام خلال سنوات الحرب بل ارتكب الفظائع التي يرقى بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وقال إن بشار الأسد يعتقد أنه يستطيع قتال الشعب السوري أو تجويعه إلى حين يخضع له هذا ما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية الشجب والتنديد وإصدار البيانات وفرض العقوبات فقط لا غير بل وإن بعض الدول العربية والغربية سارعت للتطبيع معه وإعادة العلاقات الدبلوماسية وإعطائه صك براءة على ما فعله خلال اثني عشر عاما من القتل والاعتقال والتهجير القسري فكيف يكون السلام مع هذا الطاغية ؟ فالسلام معه كالجري وراء الوهم فهو سلام المراوغ ، لذلك فإن ربط السلام بالمواثيق والمعاهدات قد فشل وكل هذه المحاولات لم يعد يثق بها أحد وأثبتت تجارب عديدة أن الدولة التي تشعر بأن ميزان القوى في صالحها يستولي عليها إغراء القوة بأن تستخدم قواها المتفوقة حتى في الهجوم على جيرانها فقوة المجرم بشار الأسد التي استمدها من الطاغية بوتين ودعمه له بكل الإمكانيات العسكرية مع الدعم الكامل له من إيران وحزب الله اللبناني فكان اتباع سياسة الأرض المحروقة في القتال ضد الثوار والمعارضة هو من ثبت بشار الأسد في السلطة طوال هذه الفترة بالإضافة إلى عدم دعم الجيش الحر والثوار بأي سلاح يهدد سقوط نظام الأسد فلا مصلحة لهذه الدول بسقوط نظام الإجرام في سورية ولا حتى التفكير في محاسبته على ما فعله من جرائم خلال اثني عشر عاماً هذا يدل على كذب من ينشدون السلام من الدول العربية والغربية، وإذا تأملنا واقع المجتمعات البشرية اليوم فسوف نجد أن أصلح وأدق وصف للدول التي لا تخوض في الوقت الحالي أي حرب أنها ليست في حالة سلام بل في الحالة التي يحددها القانون الدولي بالحياد والسلام الذي يأخذ طابع الحياد التقليدي يتحقق بعدة شروط من أهمها الامتناع عن مساعدة الدول المتحاربة وألا تسمح الدولة المحايدة لأحد المتحاربين باستخدام أراضيها للقيام بأعمال ضد الدولة التي يحاربها أي أن السلام يحتاج إلى أنياب للدفاع عن حياده ولذلك تحتفظ سويسرا بجيش قوي ولكن الذي أنقذها من التورط في الحربين العالميتين في أوربا جبالها ، فهي في أحضان جبال الألب التي تجعل من احتلالها مشقة كبيرة تكاليفها في الدماء والمال لا تساوي الفائدة التي تتحقق من احتلالها ، وخلاصة القول أن حيادها لا يضمن لها راحة البال والاطمئنان الدائم ولا بد من مواجهة الأخطار بين وقت وآخر فالنظام العالمي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي والتحول الشامل اتخذ السلام لوناً آخر غير واضح المعالم تحت اسم “السلام الأمريكي” على غرار “السلام الروماني” الذي عرفته الامبراطورية الرومانية عندما سيطرت على العالم حتى سقطت تحت وطأة الغزو الألماني عام 876 الميلادي وذلك باعتبار أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة القادرة على التدخل للمحافظة على السلام وهذا يعني أن السلام اليوم يأخذ طابعاً أمريكياً فهل السلام في سورية لا يمكن أن يتم إلا بموافقة ومباركة أمريكية ؟ وهل لا يزال هناك أمل في رأب الصدع والتغلب على مشاعر الحقد والضغينة والكراهية التي زرعها نظام حافظ الأسد ومن بعد ابنه المجرم بشار والتي أنتجتها سنوات بل عقود طويلة من الكراهية والعنف والاستئثار بالحكم وسوء استخدام السلطة ..؟ وما هي احتمالات وفرص عودة السوريين من مختلف المشارب الفكرية والسياسية والدينية إلى منطق التعاون والتكاتف في سبيل الهدف الأسمى المتمثل باسترجاع حقوقهم الجماعية ؟ وقبل ذلك هل تستطيع نخبهم العاملة في السياسة والطامحة إلى قيادة المرحلة المقبلة بما تضمه من جيل المعارضة القديم وجيل الناشطين الجديد الذي ولد من رحم الثورة وفي معاركها وأهوالها أن تتجاوز خلافاتها وتوحد إرادتها وجهودها للسير بالشعب والبلاد إلى برالخلاص من هذا النظام الإجرامي والعمل على إحلال السلام العادل بين كل أطياف الشعب السوري وتطلعاتهم التي لا تختلف عن تطلعات شعوب العالم كافة كالتي دعت إليه حركة التحرر الوطني السوري في بيانها التي اصدرته من أجل توحيد الصف وجمع كل أطياف المعارضة والأحزاب السياسية والقيادات العسكرية والثورية تحت مظلة واحدة وقيادة مشتركة موحدة وما هذا بمستحيل .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.