
حسين علي البسيس
محامي سوري-عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا
الحراك المدني الشعبي ومسبباته
تسعى شعوب العالم المضطهدة لنيل حريتها والتخلص من الدكتاتورية بشتى الوسائل الممكنة وتختلف طبيعة الأنظمة بالتعامل مع شعوبها باختلاف سياساتها، إن غالبية الدول الشمولية والاستبدادية التي لا تقيم للديمقراطية والحرية والشفافية وزناً تكون حكماً معرضة لحراك مدني شعبي ضدها , كي تطالب تلك الشعوب بحريتها وكرامتها مهما كانت قوة تلك الأنظمة وجبروتها, فقوة الشعوب لا تقهر وإن الحراك المدني الشعبي له تعاريف كثيرة , فالحركة لغةً هي حالة ضد السكون والجمود, فهي تدل فيزيائياً على تغيير الواقع والتحول في الزمان والمكان, وفي الاصطلاح يعرف الحراك بأنه تيار عام يدفع طبقة من الطبقات أو فئة مجتمعية معينة إلى تنظيم صفوفها للقيام بعمل معين لتحسين الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو تحسينها كلها, ويعرف الحراك أيضاً بأنه موجة من الاحتجاجات والمظاهرات والاضرابات التي تحدث في دولة معينة تدعو إلى الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية وتحقيق العدالة الاجتماعية, فالحراك هو إحداث تغيير اجتماعي وسياسي كلي أو جزئي في نمط القيم السائدة والممارسات السياسية داخل المجتمع, حيث تكون تلك الفئات الشعبية في الغالب مهمشة لا دور لها ولا صوت لها مما يجعلها تعبر عن حقوقها المشروعة بشكل تحركات سواء كانت سلمية أو قد تتحول لغير سلمية , على شكل إضرابات واعتصامات وعصيان مدني وتظاهرات من أجل التعبير عن مطالبها المشروعة, فينطلق الحراك المدني الشعبي بشكل عفوي وغير منظم وتتفاوت صوره من مجتمع لآخر، إلا أن الطبيعة الأساسية للحراك واحدة, هي المطالبة بتغيير النظام السائد وبناء دولة حقيقية تحترم الحق والمواطنة والعدالة وتحقيق الحرية وحقوق الإنسان. وأن الحراك المدني الشعبي له اسباب منها سياسي واقتصادي واجتماعي ولابد من معرفة ذلك.
فالأسباب السياسية : تتمثل بغياب الحريات الأساسية للإنسان وكذلك فرض حالة الطوارئ في البلاد ومنع تنظيم المظاهرات, وغياب ذلك يقف وراء موجة أي حراك مدني وشعبي تقوم به الشعوب بمواجهة الأنظمة التي تحكمها، وخير مثال ما حدث في عدد من الدول العربية باسم الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا والسودان وسوريا بلدنا الحبيب ، حيث أن الشعوب التي قامت بالحراك قد انتهكت كرامتها وسلبت حريتها مع غياب تام في الحقوق والحريات الأساسية التي أدت بالنهاية إلى المطالبة بإسقاط الأنظمة الحاكمة والمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن الاجرام وكل رموز الفساد الذين هم سبب فساد وإفساد الحياة السياسية والاجتماعية بشكل كبير, حيث أن هذه المنظومات تشكل القيادة الفعلية للسلطة وساهمت وتساهم بشكل واسع وكبير بنشر الفساد السياسي في كافة قطاعات الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية، مع غياب المسائلة وانعدام الشفافية في إدارة الدولة وغياب الديمقراطية في الحياة السياسية وانعدام فرص تداول السلطة لدرجة أصبح التوارث السياسي سمة من سمات تلك الأنظمة الحاكمة.
الأسباب الاقتصادية : من الأسباب الاقتصادية التي تؤدي إلى الحراك المدني الشعبي انعدام العدالة وانتشار الفساد وعدم توزيع الثروات بشكل صحيح، فالمواطن يجد نفسه أمام أنظمة تدفعه للعيش فقيراً ذليلا ً وتسلط عليه أجهزتها الأمنية وتحكمه بالحديد والنار، وتشير كثير من الدراسات بتصدر بعض الدول العربية قوائم البلدان الأكثر فساداً في العالم والأقل شفافية على الإطلاق ومنها بلدنا سوريا التي اعتبرها نظام الأسد مزرعة له ولمن يدعمه ، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة وانعدام فرص العمل والإهمال للشباب الذين هم عمود بناء أي دولة, وكذلك تدني المستوى المعيشي والمعاناة من الأمراض، كل ذلك ساهم في كسر حاجز الصمت والخوف والسكوت والسلبية لدى المواطن ، حيث تأسس لديه نقطة انطلاق للتمرد على الأوضاع القائمة ضد السلطة التي خاف منه هو وآبائه ردحاً طويلاً من الزمن والتي يعتبرها هي سبب كل الظروف السيئة التي عاشها.
الأسباب الاجتماعية : لاشك أنه كلما كانت الأوضاع الاجتماعية جيدة والمعيشة قائمة على الرفاهية وتوفر الحاجات الاجتماعية فأن ذلك يقلل من الحراك المجتمعي وكلما كانت الأوضاع مزرية سيحدث العكس, فمعظم الاحتجاجات التي خرج الشعب فيها ونادى بالحرية والكرامة كان فيها أيضا دوافع اخرى منها الواقع المعيشي الصعب، إذ أن الأوضاع الاجتماعية المتدهورة للأفراد وتزايد تدهورها بصفة مستمرة، يساعد بشكل كبير في خروج حراك مدني شعبي يطالب بتحسين هذه الأوضاع والقضاء على البطالة والفقر وتوفير ظروف العيش الكريم , لأن انتشار الفقر والفساد الإداري والمادي والرشوة في كل مفاصل الدولة وعلى نطاق واسع ، مقابل تدني الأجور وانخفاض دخل الفرد واتساع الفجوة بين طبقات المجتمع وسياسة فرض الضرائب والرسوم ورفع الاسعار، وعدم التوازن بين الرواتب والأجور وحجم النفقات تكون سبب حقيقي من أسباب الحراك الشعبي ولذلك ما تشهده الساحة السورية حالياً من حراك مدني شعبي من المهم تأطيره بإطار سوري جامع ودعمه, لأنه استمراه سيؤدي حتما إلى توسع الدائرة ليشمل محافظات سوريا اخرى وبالتالي يساهم من حيث النتيجة بإسقاط نظام الأسد وداعميه, وهذا يضع مسؤولية كبيرة على عاتق النخب الواعية والمدركة والتي تعمل لمصلحة سوريا الوطن بالعمل والتواصل مع كل تلك التحركات المدنية الشعبية مهما كانت مطالبها المبدئية, ودعمها للوصول للهدف المنشود بتغيير هذا النظام المستبد وإسقاطه
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.