
حمزة ابو حمدان
كاتب وصحفي سوري
حراك السويداء وتهم النظام المعلبة والجوفاء
لم تكن لأهالي السويداء في أي يوم مطالب انفصالية ، أو شاذة عن مطالب مجمل السوريين المطالبة بالعدالة والحرية والكرامة.
منذ انطلاق شرارة الثورة السورية ٢٠١١ ، كانت السويداء حاضرة بمظاهراتها، وتم اعتقال الكثير من النشطاء . منهم من مات تحت التعذيب ، ومنهم من لايزال مجهول المصير ، فيما اتخذت السويداء شكلاً خاصاً بها لمساندة الثورة، فمنعت أبناءها من الالتحاق بالجيش إجبارياً، حتى وصل عدد المطلوبين للخدمة والمتخلفين إلى أكثر من٤٠ الفا .
ومع كل تحرك شعبي في السويداء ، حتى لو كان مطلبيا أو معيشيا ، تخرج أبواق النظام لتنعت أبناء السويداء بالعمالة لاسرائيل ومحاولة الانفصال ، أو إقامة إدارة ذاتية .
تهم جاهزة ومعلبة تحت الطلب ، نظرا لصعوبة اتهام السويداء بالارهاب أو “الاخونة” .
تهم عادت لتحضر اليوم مع الحراك الجماهيري ،غير المسبوق في السويداء ، يروجها ازلام النظام .
المفارقة السخيفة ، أن هكذا نظام ، وعندما يدفع ازلامه لسوق الاتهامات ، يبدو أنه لا يريد أن يسمع أصوات ساحة الكرامة ،التي ترفض أن يكون بلدها تابعا لاحتلال ، بل تطالب بخروج كل الاحتلالات عن الأرض السورية .
ويبدو أن النظام المدعوم من الاحتلالين الروسي والإيراني، ويستمد قوته منهما ، يعتقد أن احرار سورية مثله ، مرتبطون بأطراف خارجية وينفذون اجندتها ، على رأي المثل الشائع “اللي فيه مسلة بتنخزه” ، لذلك ليس مستغربا أن يصف المتظاهرين الاحرار بالخونة ، ويشيع تبعيتهم لإسرائيل، وتفكيرهم بالانفصال ، متذرعا بحمل المتظاهرين راية التوحيد .
وللعلم فإن هذه الراية رمز ديني بحت ولا يحمل اي دلالة سياسية ، وعبر تاريخ الموحدين الدروز أخذت راية “خمسة حدود” دلالة رمزية .
ففي كل مرة وعندما تتعرض أي مجموعة للخطر في المحافظة تدافع عن نفسها تحت هذه الراية ،ووجودها محفز لتواجد الرعاية الدينية التي لها ثقل كبير جدا وداعم للحراك.
بمعنى دقيق ، النظام الذي أدمن سوق الاتهامات بحق السوريين ، ونعتهم منذ بداية الحراك السلمي بالحشرات ، يحاول عبر ابواقه ، بأي شكل النيل من احتجاجات السويداء عبر التخويف والتهديد تارة، وعبر التخوين واتهامات العمالة والانفصال تارة أخرى، وما إلى ذلك من قوائم التخوين التي يحتفظ بها النظام مضغوطة ومقدّدة من أيام حافظ الأسد، مؤسس هذا الخراب ، وهي نفس الاتهامات المحفوظة منذ بدايات اندلاع الثورة.
وحول ما أثير من تبعية الدروز في السويداء لإسرائيل، وهي تهمة روجها الموالون لحكومة دمشق، في ردهم على الاعتصامات ، فإنه اولى بهم أن يعوا أن المتظاهرين يطالبون بخروج كل الاحتلالات ، ولن يقبلوا أبداً بأن يكونوا تابعين لأي احتلال أو وصاية .
بدقة ووضوح أكصر لمن لا زال رأسه بين رجليه ؛ السويداء لا تمتلك مشروعاً سياسياً، ولا يمكن الخلط فيها بين البيئة الثقافية المنفتحة مدنياً وبين المشاريع السياسية الضحلة التي تمر على المنطقة بعمومها، وسورية خاصة.
صحيح أن للسويداء خصوصية دينية ومدنية نسبية، ولكنها ليست ذات خصوصية سياسية. السويداء ذات بيئة فقيرة اقتصادياً ومادياً، ولكنها ترفض الانجرار للتبعية والذيلية في المعادلة السورية أو الإقليمية.
وللتذكير ، السويداء لم تكن على الحياد المطلق بل شهدت سلسلة من المظاهرات السلمية والحركات المدنية منذ 2011، ولم تنقطع لليوم. فقد شهد عامي 2021/2022، وخلاف معظم المناطق السورية، مظاهرات شعبية واسعة كان آخرها بداية عام 2022 بعناوين متعددة: “بدنا نعيش”، “نحنا بدنا سورية”، “هنا السويداء هنا سوريا”.
النظام واجهزته الأمنية يعرفون السويداء جيدا ، وفي جعبة الاثنين تهماً جاهزة ومعلبة، ليس للسويداء فقط ، بل لكل مكونات الشعب السوري بحال قرروا شق عصا الطاعة والخروج عليه. فالسنة يُتهموا بأنهم إخوان مسلمين وداعش وجبهة نصرة ومتطرفين، أما بالنسبة للدروز فتهمتي الانفصال والعمالة لإسرائيل جاهزتان.
منذ اللحظات الأولى ل بدء الحراك السلمي في التاسع عشر من اب المنصرم ، خرجت ابواق النظام وبشكل ممنهج من مناطق مختلفة لتتهم المحتجين بسعيهم للانفصال ، وأن هناك أيادي خارجية تحركهم.
طبعاً، هذه التهم تنم على أن النظام مأزوم ويخاف من أي حراك شعبي ينادي برحيله، خصوصاً أن هناك أربعة جيوش اجنبية تحتل الأرض السورية، هذا عدا عن عشرات المليشيات الأجنبية ايضاً والتي تعيث فساداً من الشمال السوري حتى جنوبه. مما يحول تهمة الارتهان للخارج والتقسيم مضحكة وتدعو للسخرية. فسورية مقسمة على أرض الواقع بين الأمريكيين والروس والأتراك والإيرانيين والسماء السورية تستبيحها إسرائيل بشكل يومي .
اما بالنسبة “للكيان الدرزي” الذي يتكلمون عنه، فإن الدروز عبر تاريخهم الطويل، رفضوا إقامة أي كيان خاص بهم ، والتاريخ والوقائع تشهد بذلك. لقد رفضوا في عام١٧٩٩ عرض نابليون بونابرت بإقامة كيان لهم فيما إذا ساعدوه في احتلال عكا. ورفض سلطان الأطرش إقامة دويلة درزية في الجبل كما أراد وخطط الانتداب الفرنسي عام 1921 ، وتوحد كل السوريين تحت قيادته لإنجاز وحدة واستقلال سورية. وبعد هزيمة حزيران عام 1967 أفشل الكمالات الثلاث: كمال أبو صالح، وكمال أبو لطيف، وكمال جنبلاط، المخطط الإسرائيلي بإقامة دويلة درزية تمتد من جنوب سورية مروراً بالجولان المحتل وصولا الى جبال الشوف.
التاريخ يشهد أن ليس لدى الدروز أي تطلع انفصالي، ويعتبرون أنفسهم مؤسسين للدولة الوطنية السورية والدولة اللبنانية، . ولذلك فإن تهمة الانفصال تهمة عارية عن الصحة تنم عن كون النظام مأزوماً ولا يجد تهمة أخرى يوجهها للحراك السلمي الراقي في السويداء.
والحال ليس لهذا المجتمع الأقلوي “الدرزي ” اليوم حل سياسي مستقل أو منفرد ، بحكمٍ أو إدارةٍ ذاتية أو دويلة طائفية كما تريده بعض حملة المشاريع دون الوطنية.
احتجاجات السويداء شارفت على طي شهرها الأول ، لا تعبه للاتهامات والتهديدات والأصوات التي تجعجع هتا وهناك ، لأنها حرقت جميع سفن العودة إلى الطاعة ، فالتظاهرات مستمرة تحت الشعارات نفسها.
فهل ثمة ما يمكن أن تحدثه السويداء من أثر في المعادلة الوطنية السورية..؟
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها