حسن النيفي

باحث وكاتب سوري

غزواتكم لا تحرق غيرَ الفقراء

موازاةً مع القتال الذي نشب بين مقاتلي القبائل العربية وقوات قسد في دير الزور في أواخر شهر آب الماضي، نشأ قتال آخر يمكن اعتباره امتداداً لما يجري في دير الزور، ونعني بذلك الحراك العسكري الذي شهدته جبهات الساجور، في محاولة للقبائل العربية التقدم نحو مدينة منبج التي تسيطر عليها قوات قسد منذ أن قامت بطرد داعش منها في آب 2016 بتنسيق مع التحالف الدولي.، وربما حمل تقدم مقاتلي العشائر نحو جبهات الساجور أهدافاً أخرى هي مشاغلة قوات قسد بغية التخفيف عن مقاتلي العشائر في دير الزور.

في المنحى الأول يمكن التأكيد على أن الحكومة التركية لاقت بعض الحرج جرّاء الضغوط الناجمة من مطالبة المكون العربي تركيا بالهجوم على قوات قسد وطردها من مدينة منبج، ذلك أن أنقرة تدرك أن أي تغيير في خرائط النفوذ على الأرض لا ينبغي أن يكون دون توافق الدول الكبرى النافذة في الشأن السوري، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ولكن ربما وجدت أنقرة انه يمكنها الخروج من هذا الحرج بغض الطرف عمن يريد التوجه إلى قتال قسد من خلال خطوط التماس باتجاه منبج، لكن لن تتعهد أنقرة بتأمين سلاح الجو اللازم لاقتحام مدن أو بلدات، ولا حتى المدفعية الثقيلة، بل هي لم تسمح لمن توجه للقتال أن يصطحب سوى سلاحه الفردي الخفيف، وهذا يعني بصراحة مطلقة ألّا نيّة لتركيا بحرب على قسد بقصد الاستيلاء على منبج، وفي ضوء ذلك تتوضح أكثر مهمة الذين توجهوا للقتال سواء من جانب القبائل أم من جانب الجيش الوطني، فهؤلاء المقاتلون مسموح لهم إطلاق النار على الخصم ومشاغلته لكن دون أي تغيير على الأرض، كما مسموح لهم كذلك أن يُقتلوا ويموتوا ولكن تحت شعار الحمية القبلية أو نصرة القبال وليس ضمن مشروع يتبناه الجيش الوطني.

يؤكد سياق الأحداث على أن مقاتلي العشائر ومعهم بعض أعضاء الجيش الوطني اندفعوا بحماس نحو خطوط التماس مع قوات قسد، واستطاعوا انتزاع أكثر من قرية من أيدي قسد على ضفاف الساجور (عرب حسن – محسنلي) إلّا أنهم سرعان ما غادروا تلك القرى نتيجة القصف الروسي الذي أودى بحياة عدد من السكان المدنيين إضافة إلى عدد من مقاتلي العشائر، وقد انتهت هذه الغزوة لمقاتلي العشائر بانسحاب كامل والعودة إلى حيث كانوا، ولكن المنطقة التي طالتها غزوتهم أصابها الكثير من التبدّل، بل ربما حلّت فيها كارثة، ولكن لا يشعر بها إلّا أصحابها، فبحسب التقارير الصادرة عن مكتب الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فإن غزوة مقاتلي العشائر لقرى الساجور خلال الفترة الممتدة من الأول وحتى التاسع من إيلول أدّت إلى نزوح (3500) عائلة من بيوتها، وانتشرت في العراء، علماً أن سكان تلك القرى (الشريط المحاذي للساجور) هم من أكثر السكان فقراً، وحين نزحوا لم يفرّطوا بأمن بيوتهم فقط، بل تركوا أغنامهم وأبقارهم التي يمكن أن تكون هي العصب الحقيقي لحياتهم وقوت أيامهم، كما أدّت تلك الغزوة إلى استشهاد خمسة أشخاص من عائلة واحدة نتيجة القصف الروسي، وإصابة اثنين وعشرين آخرين، وكان من تداعيات تلك الغزوة أيضاً إغلاق (65) مدرسة حتى إشعار آخر.

ثمة ما يدعو للوقوف ومن ثم التساؤل عما إذا كانت التضحيات البشرية والمادية موازية للأهداف التي تكمن وراء اندفاعة مقاتلي العشائر، وهل يوجب مجرّد الشعور بالحمية القبلية أن تكون الاندفاعة بلا تخطيط ولا هدف ولا أي أفق مستقبلي قريب أو بعيد لتلك العملية، وربما السؤال الذي يبدو أكثر وجعاً: ما الذي يمكن أن يفعله آلاف السكان الذين نزحوا وتركوا ديارهم ورُوّع أطفالهم  ونُهبت ممتلكاتهم وعُفّشت بيوتهم؟ هل معاناة هؤلاء هي خارج حسابات غزوات النخوة والحمية؟ وهل توازي هذه المعاناة الكبيرة لسكان تلك القرى منجز الغزوة الذي يمكن اختزاله بالتقاط بعض الصور وإصدار بيان مع رفع الصوت عالياً، ومن ثم العودة إلى الوراء؟

لعل ما هو غائب عن وعي المتقاتلين بالفعل هو أنهم لم يدركوا أن السوريين في أية بقعة من الجغرافيا السورية لم يختاروا سلطة الأمر الواقع التي تحكمهم، وبالتالي وجودهم في المدينة أو البلدة أو القرية الفلانية والتي تقع تحت سيطرة السلطة الفلانية ، لا يعني أبداً ولاءهم لتلك السلطة بقدر ما يعني خضوعهم لمنطق القوة كسواهم من السوريين الذين هم ضحايا سلطات أربع أكثرها شناعة سلطة الأسد.

فقط لو فكر كل مقاتل يغزو قرية أو بلدة سورية بأن سكان تلك القرية أو البلدة هم كأهله وليسوا أعداء له، أو لو افترض بأن غزوة معادية تابعة لسلطة أخرى تجتاح البلدة التي يسكن فيها أهله، كيف يمكن أن يتصرف هذا المقاتل الهائم على عقله؟

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: