حمزة ابو حمدان

كاتب وصحفي سوري

حراك السويداء .. العفوية لا تكفي وحدها !


عندما نزلت جماهير السويداء ، بشكل عفوي إلى ساحة الكرامة ، في آب المنصرم ، و أعادت التذكير بمطالب السوريين ،بدا الأمر وكأننا في اللحظة عينها ٢٠١١ مع الفارق في الزمان والمكان .
ما بين ٢٠١١ و٢٠٢٣ عقد ونيف من النار والمطالب نفسها ، والتوقف والمقاربة بينهما يسلتزم إجلاء بعض الحقائق :
جمعت الشمولية والعفوية بينهما ، في مواجهة النظام الوحشي نفسه ،وغياب قيادات حقيقة تمسك وتطور هذا الانفجار وتحوله من العفوية إلى مرحلة أرقى .

ديمومة أي حراك ، تفرض وجود تنظيمات تتجاوز المرحلة الراهنة، غير أن الحراكين اعتمدا بالكامل على عفوية الشارع.
بالطبع لا يمكن التقليل من أهمية العفوية وضرورتها في خلق وهج للشارع، لكن العلاقة بين العفوية والتنظيم هي علاقة جدلية، يستفيد كل عنصر من الآخر. وهنا نلفت إلى أهمية التنظيم، لأن من شأنه المحافظة على استمرارية الحراك ،وعدم استنزافه.
لقد احتلت ثورة ٢٠١١ أهمية نظرية وعملية وكانت الاساس الذي استندت عليه التحركات اللاحقة كلها ، مستفيدة من الاخطاء التي صاحبتها ،وللحقيقة فإنه رغم عفويتها فلقد مثلت ملحمة بطولية عالية في مواجهة النظام وبطشه وامتازت بالجراءة والمواجهة مع سلطة لا تتحدث الا لغة الرصاص .
الفئة العمرية الشبابية التي ميزت شباب الثورة وشهدائها ، هي الفئة نفسها اليوم التي نشأت وترعرعت بين خطل مشروعهم الحضاري ومضي النظام في نهج الغطرسة والاذلال .
السؤال الأساسي: كيف يتم الاستفادة من هذه القوى، خطوة بخطوة في حشد الطاقات المبادرة وسط حركة الجماهير دون ملل وفق تكتيكات صحيحة ومستفيدة من هذا الرصيد الشعبي ؟
العفوية والتنظيم كنقيضين كلاهما عامل مختلف في العملية الثورية وهما يتواجدان في علاقة جدلية ثابتة مع بعضهما البعض ، القدرة على ادراك هذه العلاقة والمهمات الرئيسة في اي لحظة هو اكبر التحديات التي تواجه الثوريين في المنعطفات الثورية، تبرز القضية الاساسية والملحة في الانتقال من العفوية إلى التنظيم ، فرغم أن العفوية تفتح آفاقا غير مرئية وتبرز الطاقات والابداعات والمواهب المكنونة للناس العاديين وتفرز قيادات من داخلها إلا أنه تطرح في نفس الوقت مسألة الانتباه للقادة العفويين وتقديراتهم وتكتيكاتهم التي قد تعود بنتائج سلبية.
فالثورة تشترط تكامل العوامل الموضوعية والذاتية وما بين الموضوعي والذاتي تتصاعد وتهبط حركة الجماهير ما بين انتصار وهزيمة الثورة. من اكثر الاخطاء خطورة وتحديدا في الفترات التي تسبق واثناء وتلي الحراك الثوري حيث تصبح التطورات غير منتظمة، ويمكن ملاحظة ذلك في نتائج الحركات الجماهيرية في ثورات الربيع العربي وكيف تناسبت النتائج بالقوى التي قادت هذا الحراك الجماهيري والشعارات التي كانت تطرحها ولم تجن الجماهير الحقيقية ثمار ثورتها رغم التضحيات الكبيرة التي قدمت.
يلعب العامل الذاتي دورا هاما وحيويا في مجرى الاحداث، وتبقى الحاجة الى القيادة ذات أهمية ملحة في تطور حركة الجماهير، العامل الذاتي لايمكن صنعه بواسطة التشكل العفوي، ولا يمكن ان تفرزه الاحداث فجأة من فراغ ولكن يتم بناؤه مسبقا بعمل منظم شاق، ويعمل علي نقل الحركة الجماهيرية من العفوية الى التنظيم.

لقد أكدت انتفاضة السويداء حقيقة هامة وهي رفض فكرة أن الجماهير أصبحت أكثر خنوعا و قبولا بواقعها البائس والمزري وصارت لا تعطي بالا واهتماما لتغيير هذا الواقع الرديء المنعكس على كل جبهات حياتها اليومية، وها هي الجماهير تنتقل من معركة إلى أخرى في تحدي النظام ومواجهته مراكمة مزيدا من التجارب لرصيدها.

ومن أجل تطور الحراك وتجنب أي حالة طارئة اثناء تحولات الطريق الطويل يجب أن تعتمد الجماهير على القيادات المجربة ذات الوضوح والقناعة المترسخة قولا وفعلا ، وأن تكون على قدر المسؤولية التاريخية التي تطلب منهم ابراز هذه الخصائص القيادية الحقيقية، وروح المبادرة والجراءة في التصدي لقيادة الجماهير عند كل المنعطفات ، دون أوهام زائفة أو حسابات خاصة ، والاستفادة من كل التجارب المريرة التي اضرت بمجمل الحراك الجماهيري واخفاقاته .
اليوم العفوية لوحدها لا تكفي فهي تتصلب بالممارسة والوعي، وحان الآن أن تتعدل السياسة وترتقي إلى مصاف المسؤولية الوطنية في ساحات مدن السويداء الكبرى الثلاث ، والأرياف من أجل تنظيم الحراك الجماهيري والتأسيس بمنهجية لتحديد وتكثيف الأهداف، وفي المقدمة تحديد الأولويات وقيادة الساحات وتجاوز الفوضى إن وجدت.
ومن الأجدى على المدى القريب أو المنظور أن تكون هناك بدائل اجتماعية، بمعنى أن تتفق الناس على انتزاع النتائج بأنفسها، وأن يبدأ الحديث عن هيئات سياسية قد يكون لها أصدقاء وتحالفات في الداخل.
في هذه المرحلة النتائج مهمة ودافعة إلى المزيد من التحرك والصبر، المسألة غير متروكة لزمن بلا حدود، وهو ما يراهن عليه النظام ، الذي يعوّل على ملل الشارع ويلتزم بسياسة صمت خبيثة .
ايضا لابد من الإشراف على الإعلام ، وتكليف ناطقين رسميين محددين من قلب الساحات لتكثيف مطالب الجماهير، والكشف عن تطور الأهداف والتغيرات اليومية والتقليل من أخطاء طرح الشعارات غير الواقعية ومنع ركوب البعض الموجة.

خلال أكثر من عقد يمضي السوريون عفويا عاما بعد آخر على طريق الحرية، يبدعوا، ينتفضوا ضد الجلاد نفسه، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الرغبة الصلبة والإرادة القوية لإزاحة هذا النظام المستبد والدموي الجاثم على صدر السوريين منذ نصف قرن ونيف.
السوريون اليوم أمام لحظة فارقة، السويداء أضافت لبنة جديدة في مدماك الثورة ضد النظام، لكن يجب أن يحظى ذلك بدعم وتحرك من بقية المحافظات، وأن يتجه لقيادة محلية ومدنية لكي تتبلور الأمور وتصبح أوسع.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: