
العميد محمد العبيد
المجلس العسكري السوري
ترويض الازمة …
إن أهم ما يعتري منطقتنا العربية عموما هو هذا الكم الكبير من الأزمات المتلاحقة بحيث تشعر بأنها تتسلل إليك كأنها تتنقل بعربات القطار من مقصورة لأخرى حتى تحط في وسط حدودك الجغرافية وأنت تدرك حقيقة ما فعلته قبل وصولها إليك .
أمام هذا المشهد المترامي الأطراف فإننا سنعود إلى الخلف قليلاً فربما الغوص في أعماق مجريات الماضي تجعلنا أكثر قراءة لما سيحدث على امتداد المسرح العملياتي الكبير والذي يشمل كامل الشرق الأوسط ، وتوفر لنا مزيداً من الجهد لصنع أليات تتناسب وتلك الأزمات وبالتالي الانحناء لها بدل الانكسار .
إذا لنقرأ ما كتبه مفكران أمريكيان وهما يسديان نصيحة لإدارة بوش ” بأن عليها أن تبني تفكيرها الراهن في الشرق الأوسط ، خارج نطاق الزمن التاريخي ، لأن التفكير خارج الزمن ، لا يعني فقط تجاهل دروس التاريخ ، ولكنه يعني فوق ذلك ، تنكب فهم الواقع ، والتعامل بالقوة معه ، على نحو يناهض جوهره ، ويناهض طبيعته “.
إن المتتبع للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط سيجد أن أمريكا قد استخدمت القوة العسكرية والمفرطة لحد بعيد ايبان احتلال العراق وقد سبق ذلك احتلال أفغانستان كل هذا العنف المفرط ما كان ليحقق نصراً استراتيجيا وخاصة أننا اليوم نعيش تلك الحالتين الأفغانية والعراقية فبينما كان الانسحاب الأمريكي منها قد بدا دون مقدمات إلا أن مبررات القادة الأمريكيين قد أوجزت شراسة المقاتل الطالباني وجسارته في مواجهة الموت إلى أن وصلنا للعراق التي تشهد هي الأخرى انعطاف كبير في السياسة الأمريكية فها هي اليوم تقوم بنشر قواتها على كامل الجغرافيا العراقية لابل قامت بقطع الحدود بين سورية والعراق في مقدمة ليس لاستبدال قواتها كما قالت مصادر عراقية بل من أجل فرض إيقاع يراه البعض لا يخرج عن المألوف الأمريكي لكن حقيقة ذلك مختلفة فالتصاق القوات الأمريكية اليوم بالمنطقة سيكون بحجم ابتعادها في الفترة الماضية لابل سيكون مقدمة لسيناريو جديد لا يتناسب وقوى الأمر الواقع في العراق وسورية وهذا ما قاد السياسة الأمريكية لإعادة رسم خارطة توزيع القوى والقاضية ليس بتقليم أظافر القوى وتكسير أنيابها إن لم يكن اقتلاعها تلك التي صنعت الفوضى وقادت الدول لانهيار اقتصادي كامل وربط صناعة المخدرات بعجلة التطور الاقتصادية لابل جعلها عماد الاقتصاد المحلي وقد رافق ذلك تدمير للبنية الاجتماعية للدول الإقليمية والتي رأت فيه تهديداً مباشراً لكيانها .
كل هذا قاد أمريكا لأن تتعامل مع هذه الأزمة بطريقة التصعيد الأفقي بما يقتضي من توجيه ضربات عسكرية لدول عربية لتشمل العراق وسوريا ، وبشكل عام فإن الغرب وفي مقدمته أمريكا ، مجبول على أن يحول أزماته الذاتية الداخلية إلى أزمات عامة أو يحولها لبركة أسنة يغرق فيها الجميع وهذا ما تفعله اليوم أمريكا في الشرق الأوسط بالدرجة الأولى .
مستغلة الحاجة لمصادر الطاقة كنتيجة لازمة أوروبا وارتهانها لصادرات الطاقة الروسية وللعلاقات التجارية مع الصين .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.