
حسن النيفي
باحث وكاتب سوري
من المستفيد من القتال في شرق سوريا والاقتتال في شمالها؟
فيما يستمر الحراك الشعبي في السويداء موازاةً مع حراك يعم مدن وبلدات شمال شرق سورية، تندلع من جديد موجة القتال بين بعض العشائر العربية في دير الزور وقوات قسد، وكانت قوات الحماية الكردية قد واجهت خلال شهر آب الماضي احتجاجات عنيفة وصلت إلى مرحلة دامية مع العشائر المحلية التي تطالب أن تكون شريكاً ندياً في إدارة المنطقة وصناعة القرار، إلّا أن حزب الاتحاد الديمقراطي استطاع حسم المعركة عسكرياً في ظل عدم تكافؤ موازين القوى على الأرض وكذلك في ظل غياب الموقف الأمريكي الحاسم فيما يخص هذا النزاع.
لا شك أن قدرة قسد على حسم الجولة الأولى من القتال جعلها تستعيد المبادرة من جديد وتقوم بحملة أمنية واسعة شملت العديد من البلدات والقرى في الضفة الشرقية من ريف دير الزور، وقد أسفرت تلك الحملة عن اعتقال العديد من أبناء العشائر بذرائع أمنية متعددة وذلك على خلاف ما وعدت به قبيل وقف القتال من أنها لن تلاحق خصومها فيما لو التزموا بالكف عن استهداف قواتها وحواجزها، ولكن يبدو ان الحسم العسكري يبقى مسألة نسبية ولا يمكن القطع بها نظراً للتطورات التي تشهدها المنطقة، ففي صباح الاثنين الموافق للخامس والعشرين من إيلول الجاري قامت مجموعات من قوات العشائر بمباغتة قوات قسد في بلدة ذيبان معقل مشيخة قبيلة العكيدات وذلك بالتوازي مع انتشار تسجيل صوتي نُسب إلى المدعو إبراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات يدعو فيه إلى النفير العام ويحث القبائل العربية على مواصلة قتال قوات قسد وطردها من دير الزور وفقاً للسيد الهفل.
قد لا يبدو من العسير الوصول إلى اهم العوامل التي دفعت إلى تجدد القتال، طالما أن أسباب القتال ما تزال قائمة، وكل ما جرى في الفترة الماضية هو إسكات سلاح القبائل بسلاح أقوى هو سلاح قسد، وربما كان الطرفان المتقاتلان يعتقدان أن الراعي الأمريكي سوف يتدخل ويسهم في إيجاد حل يرضي الطرفين، وبالفعل فقد كانت قنوات التواصل بين ممثلي العشائر و قيادة التحالف الدولي قائمة منذ شهر آب الماضي وقد أسفر التواصل عن قيام السيد مصعب الهفل المقيم في قطر بتسليم الجانب الأمريكي وثيقة تتضمن مطالب العشائر، إلّا أن ردّة الفعل الأمريكية حيال تلك المطالب لم تكن ضمن ما يرضي خصوم قسد، إذ يشير أحد بنود الوثيقة إلى مطالبة العشائر العربية بأن يكون لهم إدارة ذاتية مستقلة في دير الزور بعيداً عن سلطة قسد، ما يعني سحب بساط السلطة من الجانب الكردي وتولّي القبائل العربية إدارة شؤون المنطقة والاستحواذ على مجمل المقدرات الاقتصادية لدير الزور فضلاً عن السيطرة الأمنية، في حين أن أمريكا ليست بوارد تقويض سلطة قسد ولا يمكن أن توافق على فك عرى تحالفها مع قسد إرضاء لمشروع عشائري لا ترى فيه حليفاً بديلاً عن قسد في الوقت الراهن، علماً ان الولايات المتحدة الأمريكية تدعم مطالب العشائر فيما يخص الجانب الخدمي والمعيشي ولكنها ليست في وارد الدعم لأي مشروع يتجاوز تلك المطالب، الأمر الذي جعل القائمين على قوات العشائر يعتقدون أن المضي في القتال يمكن أن يكون عامل قوّة لهم في مفاوضات مقبلة ربما تنصاع لها قوات قسد، ولعل ما يدفع بهذا الاتجاه الاستراتيجية الجديدة لقوات العشائر التي تحاول تحاشي المواجهات المباشرة لتحييد التفوق العسكري لقسد، والاعتماد على الهجمات المباغتة والإغارة على الحواجز والتجمعات التابعة لقسد.
بعيداً عن المطالب المشروعة لمواطني دير الزور وأحقيتهم في استثمار موارد بلادهم وكذلك أحقيتهم في المشاركة الفعّالة في الإدارة وتولّي شؤونهم العامة، فإن أكثر من سؤال يمكن أن يطرح: ما هو الأفق السياسي لقتال العشائر؟ وهل المطالبة بإنشاء إدارة ذاتية هي خطوة مرحلية لإبعاد قسد فقط والاستمرار في تحصين المنطقة في وجه أي جهة خارجية؟ وهل قوات العشائر لديها القدرة على الحيلولة دون توغل قوات النظام مستقبلاً إلى تلك المناطق؟ ولعل السؤال الأهم: أين يقيم إبراهيم الهفل صاحب الصوتيات التي تدعو إلى النفير العام؟ ومن يقوم بحمايته ويقدّم له الاستشارات ويدفع به للاستمرار في قتال قسد؟ تلك أسئلة لا جواب واضح لها، وفي ظل هذا الغموض من حقنا جميعا كسوريين أن نتساءل:
في دير الزور قتال يتجدد دون أن يكون له أي أفق سياسي ودون أن تكون له محددات واضحة الملامح، بل إن الانقسامات العشائرية وتعدد الولاءات يجعل المسألة في غاية التعقيد، وفي الشمال السوري قتال مستمر أيضاً بين قوات الجولاني وفصائل الجيش الوطني المتحالف مع الحكومة التركية بسبب نزوع الطرفين في السيطرة على معبر (الحمران) الذي يُعدّ الممرّ الأساسي لدخول النفط القادم من مناطق قسد باتجاه مدن الشمال، وبالتالي أليس نظام الأسد هو المستفيد الأكبر من القتال الدائر سواء في شرق سوريا أو شمالها؟ وخاصة أن هذا القتال يؤدي المهمة التي يسعى إليها النظام، والمتمثلة في إشغال الرأي العام عن الحراك الوطني الجماهيري في السويداء، هذا الحراك الذي هو وحده يخيف نظام الأسد ويقلقه أكثر بكثير من أي اقتتال على المعابر أو الاستحواذ على النفط.
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها