
حسين علي البسيس
محامي سوري-عضو المجلس التأسيسي لحزب بناة سوريا
قراءة في مرسوم إلغاء محاكم الميدان السورية
غالبية الدول تحكم بدساتير وقوانين من اجل ترسيخ الحكم والإدارة بتلك الدول وتسعى هذه الدول لتطوير القوانين, لكن في سوريا ترى العجب العجاب وعلى مدار اكثر من نصف قرن , مراسيم تلغي مراسيم ومراسيم تلغي قوانين وذلك بحسب ما يناسب النظام الحاكم منذ عهد الاسد الاب حتى عهد الاسد الأبن, ولا زال النظام السوري بعد كل ما احدثه في سوريا من قتل وتدمير للبشر والحجر, يسير وفق منهجية واحدة وهي (الدولة الامنية) لأن أي خطوة في مسار الحل السياسي الصحيح ستسقطه, لأن النظام السوري اصبح يشعر بأنه تتم محاصرته من أكثر من جهة حتى من قبل من كان يضن ويعتبرهم أنهم حاضنة له سواء في بعض مناطق الساحل ولو بشكل بسيط وحراك مدينة السويداء فها هم اليوم قد عبروا عن مطلبهم بإسقاط هذا النظام ,و بات يدرك انه في طريقه نحو السقوط , ودائما ً يفكر بالقفر والهروب للأمام ومن تلك القفزات للإمام قيام بشار الأسد بتاريخ الأحد 3 /9/2023 بإصداره المرسوم التشريعي رقم 32 لعام 2023 القاضي بإلغاء محاكم الميدان العسكرية التي تأسست بعد هزيمة حزيران 1967 والتي كانت تختص بمعاقبة العسكريين لكن حافظ الأسد أمر بتوسيع اختصاصها عبر المرسوم التشريعي 32 لعام 1980 لتشمل النظر في قضايا وقوع الاضطرابات الداخلية مما سمح بمحاكمة المدنيين من قبل محكمة الميدان, التي تفتقر لأبسط القواعد القانونية المعروفة, من عدم مقدرة المعتقل على توكيل محامي للدفاع عن نفسه وكذلك كيفية وآلية تشكيل المحكمة وطريقة عملها واجراءات التقاضي وشخوصها, أنه بموجب هذا المرسوم قد تم إنهاء العمل بالمرسوم التشريعي رقم 109 لعام 1968 وتعديلاته فالمرسوم الجديد بموجبه يحق للمتهم الطعن في الحكم الصادر بحقه لدى الجهة التي ستحال إليها القضية وهي القضاء العسكري، لأن نص المرسوم يقول على أن تحال جميع القضايا في محاكم الميدان العسكرية بحالتها الحاضرة إلى القضاء العسكري لإجراء الملاحقة فيها وفق أحكام قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 61 لعام 1950 وتعديلاته, ومن خلال ذلك يظهر عدة أسباب ونقاط تجعل النظام السوري يخطوا هذه الخطوة ومنها.
-أن هذا الإلغاء هو محاولة للتهرب من المسؤولية عن عمليات الإعدام التي اقرتها ونفذتها محكمة الميدان العسكرية ,حيث تقول الفقرة (أ) من المادة (8) من مرسوم تشكيل محكمة الميدان ( أن تخضع أحكام الإعدام لتصديق رئيس الدولة أما باقي الأحكام فيجري تصديقها من وزير الدفاع ) هذا يعني إن كل قرار إعدام صدر عن هذه المحكمة منذ استلام بشار بعد ابيه الذي كان يوقع عليها قد صادق عليه بشار الأسد بشكل مباشر.
-أن قيام الأسد بإصدار مرسوم بإلغاء المحكمة كان خشيته مما يعمل عليه من ملفات الاختفاء القسري والقتل للمعتقلين, ضمن إطار قضاء استثنائي من خلال هذه المحكمة المتورطة بإعدام كثير من تم احالتهم الى سجن صيدنايا وغيره فالنظام يعمل للالتفاف على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتشكيل الآلية الدولية للكشف عن مصير المفقودين في سورية من خلال اتلاف واخفاء سجلاتهم.
-يحاول نظام الاسد من خلال المرسوم المذكور إظهار أنه يستجيب لمطالب الدول العربية على مبدأ خطوة مقابل خطوة الذي تضمن مطالبة النظام السوري بتقديم خطوات منها ما يتعلق بالمعتقلين وإعادة اللاجئين للبلاد .
أن كل ما يجري بطبيعة الحال لم يغير شيء من حيث النتيجة والواقع فالأجهزة الامنية تعمل بنفس المنهجية والوتيرة حتى لو تم استبدال فعل الإحالة الذي كانت تقوم به تلك الأجهزة إلى محكمة الميدان، لتحل محله الإحالة إلى المحاكم العسكرية ومحكمة قضايا الإرهاب , حيث سيبقى تقدير الجريمة وتوصيفها يخضع للأجهزة الأمنية التي لاتزال تعتقل وتخفي في السجون مئات ألاف المعتقلين والمختفين قسرياً, مما يدل على أن تغيير الأدوات لا يعني تغيير السلوك المتبع من قبل نظام الأسد ، وهذا الخلل سببه أن القضاء العسكري مرتبط بالسلطة التنفيذية المتمثلة بوزارة الدفاع وارتباط ضباطه بالأجهزة الأمنية.
بعد كل ذلك القضية السورية لن تحل بمراسيم من هنا وهناك من نظام آيل للسقوط فالحل يكمن بتحقيق انتقال سياسي تقوده نخبة وطنية من كل اطياف الشعب السوري من ذوي الكفاءة العالية والنزاهة , يعملون بحس وطني من اجل سوريا الدولة وتطبيق القانون وليس من اجل مصالح شخصية , وهذا يحتاج بذل الكثير من الجهود من كل الشخصيات الوطنية التي تعمل في الشأن العام .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.