أحمد عرابي

أكاديمي سوري

الثورة السورية ثورة شعب لكنها بلا قيادة

~ ماذا يعني أن تنجح الثورة وأن تنتصر وكيف لها أن تنتصر ؟

~ هل توجد خارطة طريق واضحة لانتصار الثورة السورية العالقة ؟

~ ما شروط الانتصار والعبور إلى الدولة الديمقراطية وتحقيق النهضة المنشودة ؟

~ هل تسير الثورة السورية بالاتجاه الصحيح أم بحاجة لتصحيح ؟

~ هل تبعث المؤشرات الحالية والمعطيات على التفاؤل أم التشاؤم ؟

~ هل يجوز الاستمرار في تبرير كل ما يحدث بأعذار واهية وخداع الناس بالشعارات والوعود الحالمة من قبل السياسيين في المعارضة في كل المسارات والتفاوضات مع روسيا ونظام الإجرام الأسدي ؟

إن الثورة في سورية فجّرت الحس الوطني الذي كبته القمع والفساد والتهميش ووحّدت الشّعب السوري تحت الراية الوطنية واحد واحد الشعب السوري واحد كان هذا شعارها منذ البداية ومطالبها الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم ومحاربة الفساد والمحسوبيّة لتتحرر من رواسب الاستبداد , بدأت الثورة السورية  بشكل احتجاجات عفوية بمطالب محدودة فحولها النظام الاستبدادي القمعي الأسدي بحماقته إلى ثورة تطالب بإسقاطه , هنا تحول الحلم البعيد إلى مطلب واكتشف الشعب قوته الكامنة في داخله فتجاوز كل المخاوف التي كان النظام يهدد بها, قامت الثورة السورية بلا خطة لإسقاط النظام البعثي الأسدي لم يكن لها قيادة تضبط مسيرتها وتتفاوض باسمها ولكنها عوضت عن ذلك بدرجة غير مسبوقة من التضامن والإصرار والاستعداد للتضحية فاندفع الشعب نحو الساحات والميادين لاستنساخ وصفة التظاهر والاعتصام كما حصل في بعض البلاد العربية ما سمي بالربيع العربي وذلك لإسقاط النظام الأسدي في سورية وبدون قيادة ولا خطة ودون أي اعتبار لاختلاف الأنظمة والظروف والأوضاع والمعادلات الإقليمية والدولية والعربية ،ولاحت في الأفق نذر تسونامي ثوري يوشك بإسقاط النظام الإجرامي في سورية ويوشك أن يعصف بالعديد من الأنظمة العربية ويهدد مصالح إقليمية ودولية كبرى، فتداعى أصحاب تلك المصالح لتطويق الثورة وتعويقها وإطالة أمدها ورفع كلفتها وإخفات بريقها وتبديد زخمها وخفض سقف أهدافها، وأصبحت ساحات للصراع بالوكالة وفي المقابل أصيب الصف الثوري نخبة وشعبا بفرقة مركَّبة أفقية وعمودية  فضاعت الثورة في متاهات دستورية وقانونية وأيديولوجية ومناكفات سياسية ، وتقزمت إلى صراع على من يحكم البلاد والمرحلة الانتقالية بقرارات دولية ومنها القرار 2254  وعليه هل يقدّم الدستور أو الانتخابات , وحُوِّلت الثورة السورية إلى أزمة تدار كعملية السلام وتوّهت في أروقة الجامعة العربية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمبعوث الأممي وأن التغيير أصبح ضرورياً وحتمياً بحكم تردي الأوضاع وحجم الظلم والفساد والاستبداد، وصحيح أيضا أن كسر حاجز الخوف وانتزاع حرية التعبير والتظاهر مكاسب كبيرة ومقدرة، ولكن الحقيقة المرة أن ثورة بلا قيادة موحدة ورسالة واضحة  قد تسقط  نظاماً ولكنها لا تقيم دولة ولا تحقق نهضة ، ومن يظن أن أحزابا متناحرة وقيادات ملونة تابعة لعدة دول ليس لها أي قرار ومهووسة بالسلطة وبمكاسبها الثورية ولوعلى حساب المصلحة الوطنية وحساب الشعب فلا يمكن لها   أن تحقق أهداف الثورة التي نادى بها الشعب السوري فهو واهم فالإصرارعلى إسقاط النظام المتشبث بالسلطة بأي ثمن ووسيلة من دون قيادة وخطة يعني بالضرورة الفوضى والدمار والعسكرة والتدويل وارتهان الطرفين للخارج وحصر مصير البلاد في سيناريوهات قاتمة كإجهاض الثورة والحرب الأهلية والتقسيم والتدخل العسكري الأجنبي (أي الاحتلال) وتحول البلاد إلى دولة فاشلة ذلك هو الدرس القاسي الذي ينبغي أن نستخلصه مما حصل  من تجارب الماضي والحاضر حتى لا تتكرر الأخطاء ولا ينقص ذلك شيئاً من الملاحم الثورية الباهرة التي سطرها الشعب السوري في بداية الثورة السلمية فالثورة لا تقوم لمجرد إسقاط النظام أو لانتزاع حرية التعبير أو لتمكين هذا الحزب أو ذاك من السلطة أو لتصريف الأعمال ولكن لاستنهاض الشعب وإحداث ثورة في العقول والنفوس وتخليصها من رواسب الطغيان والاستبداد والفساد وتحصين البلاد من التبعية ، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال توعية المواطنين وتأطيرهم وتنشئة جيل مثقف واعي ووطني طموح ،فالأمم لا تنهض دون رسالة أو قضية أو مشروع وقيادة حكيمة وبقدر قوة الرسالة ونبلها وقوة القيادة وحكمتها وتجردها وتواضعها تكون إرادة الشعوب وحماستها وعطاؤها والتحامها بقادتها، ومن ثم نهوضها ونجاحها في مواجهة الاستحقاقات الكبرى فإن تحقيق أهداف الثورة وآمال الشعوب والتعاطي مع التركة الثقيلة والأوضاع المعقدة ومواجهة القوى الطامعة والمتآمرة مهمة ضخمة لن تنجزها الاعتصامات والدستور والانتخابات ، بل تحتاج إلى قوة عظيمة قوامها شعب مثقف معبأ حول مشروع وطني طموح وملتف حول قيادة وطنية قريبة من الناس حريصة عليهم وتشعر بآلامهم وحاجاتهم وغير مهووسة بالسلطة والمناصب والانتخابات، تقدر على تحريك الشارع واتخاذ القرارات الجريئة وتقدم المصلحة الوطنية في كل خياراتها وقراراتها هذا النوع من القيادات الذي كان وراء كل ثورة أو نهضة ناجحة، إن نجاح الثورة يعني النجاح في إعادة بناء الإنسان والمجتمع من خلال تثبيت علاقة تفاعلية إيجابية بين الأفراد فالمواطن بوعيه ويقظته وانخراطه في الشأن العام هو حجر الزاوية في عملية النهوض وهو جهاز مناعة الثورة وصمام أمان المجتمع وكل ثورة لا تستند إلى ذلك تضعف حظوظها في النجاح وإن انتصرت، فلن يصمد بناء يقام على أسس هشة فالتغيير المنشود شامل ومستديم، ومفتاحه الفرد المثقف الوطني الطموح الحريص على وطنه وشعبه حرصاً يعلو فوق كل اعتبار أيديولوجي أو حزبي أو فئوي أو شخصي ويدفعه لتسخير حياته من أجل وطنه وشعبه كل ذلك يصب في خدمة الوطن من أجل استنهاضهم وتوجيه طاقاتهم للنهوض بالوطن، لذلك من أعظم إنجازات الثورة أنها فتحت الباب أمام الشعوب ليتحرروا من رواسب الاستبداد والتخلف ويفرزوا قيادات وطنية متجردة ويشكلوا تياراً وطنياً جامعاً يحمل رسالة إنسانية ومشروعاً وطنياً، فتتحقق أهداف الثورة وتتحقق النهضة المنشودة ولو بعد حين أمّا النّخب السياسية في المعارضة التي تدعي تمثيل الشعب السوري وتتكلم باسمه هي الأسوأ والأفشل والأرخص مستعدّة دوما للتّوظيف ولبيع كلّ شيء من أجل السلطة والوجاهة والعمل بمقولة الغاية تبرّر الوسيلة يضخّمون الإنجازات التافهة وينكرون الإخفاقات الصارخة أو يبرّرونها ويتنصّلون من المسؤوليّة عنها بقولهم ليس بالإمكان أحسن ممّا كان لم يبق سياسي معارض واحد يصدّقه النّاس أو يثقون به أو يكترثون لكلامه وخاصة بعد كل ما حصل ضمن انتخابات الائتلاف وما فرض بالقوة , بلد محكوم بعمليّة سياسية هشّة في المناطق ما يسمى بالمحرر وفيه حكومات متناحرة وكل منها يخون الآخر ويدعي أنه يمثل الشعب والثورة , منها الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ وحكومة المنفى وحكومة قسد ومسد وحكومة نظام مستبد هو أيضاً مجرّد واجهة للسّفارات والشركات والمافيات التي تحكم وتنهب البلاد، فسورية اليوم هي معقل لروسيا وإيران وميليشيات حزب الله , وبعد مرور اثني عشر عاماً هل تسير الثورة السورية بالاتجاه الصحيح أم بحاجة لتصحيح ؟ نعم إنها بحاجة إلى تصحيح على كافة الأصعدة فلو نظرنا إلى المظاهرات التي انطلقت في محافظة السويداء وأعادت روح الثورة فيها من جديد نرى تنظيماً رائعاً وهناك مرجعية كبيرة في المحافظة تبنت أهداف الحراك الثوري ومشاركتهم بالمظاهرات ومشاركة النساء بشكل واسع فكان التنظيم ملفت للنظر بشكل واضح وكانت الشعارات هي ما طالب به الشعب السوري منذ بداية الثورة عام 2011 وهي إسقاط النظام ورحيل بشار الأسد وعصابته المجرمة الفاسدة مع خروج الاحتلال الروسي والإيراني إذاً نحن بحاجة إلى تنظيم وإلى قيادة موحدة تجمع كل أطياف الشعب السوري المعارض لهذا النظام الاستبدادي الإجرامي والعمل والتنسيق معاً بالداخل والخارج لكي تكون هناك خارطة طريق واضحة لانتصار الثورة السورية العالقة منذ عام 2011 والعبور إلى الدولة الديمقراطية وتحقيق النهضة المنشودة للشعب السوري وكم دعت حركة التحرر الوطني السوري في كل بياناتها إلى الوحدة والعمل المشترك تحت مظلة واحدة وقيادة مشتركة لكافة أطياف الشعب السوري تجمع القيادات الثورية والسياسية والعسكرية تحت قيادة واحدة مشتركة تستطيع مخاطبة المجتمع الدولي وتكون حامية لأهداف ومطالب الشعب السوري وثورته في الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية وبهذه المؤشرات الحالية والمعطيات تبعث على التفاؤل ويكون الفرج والنصر هو حليف الشعب السوري الحر .

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: