حسن النيفي

باحث وكاتب سوري

ثماني سنوات من العدوان الروسي على ثورة السوريين

ربما لم يخطر ببال بوتين حين عزم على القتال إلى جانب نظام الأسد في الثلاثين من إيلول عام 2015 أنه في يوم ما  سيقبع في العزلة ذاتها التي يقبع بها بشار الأسد وسيكون في نظر المجتمع الدولي أحد أعتى الأنظمة الإجرامية في العصر الحديث، وأن المصير الذي ينتظر حاكم دمشق سيكون بانتظاره هو أيضاً، وهكذا كانت سيرورة مجرميْ حرب، أوشك الأول أن يتهاوى أمام غضبة الشعب السوري الثائر، فسارع قرينه ليس لإنقاذه فحسب، بل ليمارس بحق السوريين عدواناً هو الأكثر قذارة ووضاعةً. وبعيداً عن استعراض وقائع الإجرام الروسي في سوريا، فذلك ربما له سياقات أخرى، إلّا أننا سنحاول الوقوف بإيجاز عند مفاصل ثلاث كانت هي الأبرز في سيرورة  العدوان البوتيني على ثورة السوريين.

يتجسّد المفصل الأول في شهر آب من العام 2013 حين استهدف نظام الأسد سكان الغوطة الشرقية بالسلاح الكيمياوي وأودى بحياة أكثر من ألف وخمسمئة مواطن، قسم كبير منهم من الأطفال، الأمر الذي لاقى استنكاراً كبيرا لدى المجتمع الدولي، ودفع بحكومة أوباما إلى توجيه البوارج الحربية إلى مياه المتوسط لتوجيه ضربة عقابية لنظام الأسد، وفي الساعات الأخيرة تدخل بوتين لدى أوباما وتحوّلت الضربة المتوقعة إلى صفقة سياسية بين موسكو وواشنطن أفضت إلى انتزاع سلاح الكيمياوي من الأسد مقابل العدول الأمريكي عن استهدافه عسكرياً، وهكذا كوفىء المجرم، إذ اكتفت حكومة أوباما بمصادرة منقوصة لأداة الجريمة بينما ظل المجرم طليقاً مستمراً بقتل السوريين.

ويتجسّد المفصل الثاني في أواخر العام 2016 حين لم تفارق طائرات بوتين وقاذفاته سماء حلب، في قصف متواصل لم ينج منه لا مدني ولا عسكري ولا مشفى ولا مخبز، في مسعى روسي واضح لاستعادة القسم الشرقي من حلب وتمكين نظام الأسد من السيطرة عليها، وكان له بالفعل ما أراد بعد أن توفرت له كل الظروف الإقليمية والدولية لارتكاب أفظع المجازر بحق المدنيين السوريين، وإجبار أكثر من مئتي ألف مواطن من حلب على الرحيل ( بالباصات الخضر) على مرأى عيون العالم أجمع، ومما هو جدير بالتنويه أن إصرار الروس على القصف المتوحّش للبنى التحتية والمدنيين واستهداف المرافق العامة للحياة لحشر المواطنين أمام أمرين: إما الموت تحت وابل القصف وإما الرحيل القسري، أقول: إن هذا النهج الإجرامي الذي بدأه بوتين من حلب بات النهج السائد الذي اتبعه الروس في الغوطة الشرقية عام 2018 وفي درعا 2019 وفي سائر المدن والبلدات في الريف الدمشقي.

ويتجسد المفصل الثالث في التداعيات السياسية للعدوان الروسي والتي كان مسار أستانا أولى بواكيرها، وكان واضحاً آنذاك أن بوتين قد أفلح في التحرك في ظل مناخ إقليمي تحكمه المصالح وتغيب عنه القيم والمبادئ، الأمر الذي أشرع باب الخذلان أمام السوريين وباتت بلادهم مسرحاً لصراع المصالح الدولية والإقليمية، وبموجب تفاهمات أستانا التي لم تكن المعارضة الرسمية السورية بشقيها السياسي والعسكري بعيدة عنها، بل يمكن التأكيد على أن المعارضة الرسمية السورية كانت الأداة المنفذة لأجندات أستانة فضلاً عن كونها وفّرت الغطاء السياسي المُشرعن لجميع الاعتداءات الروسية التي أفضت إلى استباحة جميع مناطق ما سُمّي ب ( خفض التصعيد) وإعادتها إلى سلطة الأسد.

ولعل ذاكرة السوريين لن تنسى يوم الثالث والعشرين من شباط عام 2017 حين حمل المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا الاقتراح الروسي الذي يتضمن فكرة ( السلال الأربعة)، واستطاع إقناع هيئة التفاوض السورية بالقبول به، وكان هذا الإجراء يجسّد من الناحية العملية نجاحاً روسياً في الالتفاف على القرارات الأممية وتحييد جوهر العملية السياسية المتمثل بإنشاء هيئة حكم إنتقالي، ليصار بعد ذلك إلى عقد مؤتمر سوتشي في أواخر العام 2019 الذي أجهز على ما تبقى من الحل الأممي، حيث تم اختزال القضية السورية بلجنة دستورية ما تزال حتى الآن تتوسّل نظام الأسد لكي يوافق على استمرار اجتماعاتها.

بكل تأكيد استطاع بوتين أن يمنع سقوط الأسد حين عجزت إيران عن حمايته، وما يزال الروس هم أصحاب الوصاية الحقيقية على بشار الأسد الذي قبل بكل أشكال الهوان، بدءًا من بيع البلاد سواء من خلال الاستثمارات الروسية طويلة الأمد للموانئ والمرافق العامة أو من خلال استثمارات التنقيب عن النفط والفوسفات وباقي الثروات الوطنية، ووصولاً إلى الإهانة الشخصية التي بات يبتلعها بكل بلاهة وإذلال. ولكن ما لا ينبغي أن يُنسى أيضاً أن الإجرام الروسي ما كان ليحقق ما انتهى إليه لولا ترويضه للمعارضات الرسمية التي ما تزال تنظر إلى بوتين باعتباره صمام الأمان لمصيرها ومستقبلها السياسي.

طور طويل من أطوار الثورة يمتد إلى أكثر من عقد قد انتهى، وبدا طور جديد يرسم معالمه وعي سوري جديد يتجلى في الحراك السوري الذي انطلق من مدينة السويداء، وها هو يتسع كل يوم مؤكداً ان شراسة العدوان ووحشيته يمكن لها أن تحسم معركة، ولكنها هيهات أن تهزم الثورة.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها

%d مدونون معجبون بهذه: