العميد محمد العبيد

المجلس العسكري السوري

العبور الكبير

كثيرة هي القصائد التي حلق بها الشعراء، وكثيرة هي الروايات التي عشنا تفاصيلها وكأننا في مدن مصنوعة من طين وخشب، تلك الأماني التي تحققت في ضباب الفكر وبين صفحات الكتاب لقد نامت كل الأماني على سحابة جدباء من غير هطول، لقد هذت بنا الليالي فتبخر مع أنفاس الفجر، كل ذلك كتبه الأدباء والروائيين برؤية القابع بين أضلع الوجع وتجارب مشحونة بكل طيف من وجع وشجن، ولا ننسى من كتب عن قصص مجهولة ولدت من مخاض فكر عسير فانسكبت سعادة أو شقاء على أرض عطشى لكل حرف وكتاب.

لكن بكل تأكيد أحد لا يستطيع أن يكتب عن تجربة الحرب، إلا من عاشها وعاش جَلدها، تنفس فيها كل أوكسجين الموت حتى غرقت رئتاه بكل الدم المسفوك على قارعة الطريق، مشاركاً فيها وبكل تفاصيلها فاعلاً لا متصوراً لواقعة أو جريمة فاعلاً في الحدث لا متفرجاً ولا مراقباً، فالحرب هي الولادة الحقيقية فأنت المعلق بين جنبات الموت والحياة، فالحرب هي أن تعيش  في كثافة من الزمن وكأن قرون الماضي وصلت خاصرت اليوم واختصرت المسافة.

واليوم وبعد مضي أكثر اثنى عشر عاماً على انطلاق ثورتنا فما زالت روائحها تحرك الأنفاس والروح وتجعلنا أما استنفار كامل للأعصاب رغم أنها لم تك ثورة خاطفة بالمعنى العسكري إلا أنها كانت مبارزة حقيقية، ذلك أن مشاهدة هذه الثورة، من لحظة انطلاقتها كان بمثابة الطوفان العظيم والعبور الكبير من ضفة العبودية إلى أرض الحرية والأمان لقد كانت لحظة انطلاق قذائف المدفعية والطيران هي سقوط قناع الوطنية ولبوس العروبة والمدنية وبالمقابل كانت ثورة السوريين المفعمة بالوطنية وسلاحها الأمضى بناء الدولة السورية وإسقاط زمرة القتلة الفاسدين.

ولهذا لم يك غريباً أن تستأثر الثورة السورية قلوب الكثيرين من أحرار العالم ودوله المتحضرة وأن تصنف بأنها الثورة التي لازالت متقدة إلى يومنا هذا ولا زالت إلى الآن من أطول المعارك التي خاضها رئيس أهتر مجرم ضد شعبه وهذا ما انعكس فوق المسرح العملياتي الكبير الذي تعده الولايات المتحدة الأمريكية بعناية فائقة وهذا ما يعكس اهتمام المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم البريطانيين فجرت عدة اتصالات بين مسؤوليهم والشيخ حكمت الهجري .

فالثورة السورية أحد أهم الأسباب التي كانت ولا زالت متجلية بطابعها وفكرها معبرة بالوقت ذاته عن استمراريتها وديمومتها  التي كانت نتائجها هو حاصل مجموع ما قدمه السوريين في قراهم ومدنهم فعبور السويداء الضفة الأخرى لم يك صدفة بل هو نتيجة حتمية لمآلات  الثورة السورية العظيمة.

وإن ما أضفى جمالية على عبور السويداء هو ذلك الأسلوب الذي اتسم بالوضوح دون مواربة وشجاعة قل نظيرها، وإصرار على الوصول للهدف وتحقيقه، ترافق كل ذلك بحالة انضباطية شكلت نموذجاً راقياً وصلت أصداه العالم بأسره ناهيك عن القيادة وما تميزت به من خلال شخص شيخها الشيخ حكمت الهجري فالسيطرة واضحة وشديدة وهو ما شكل الصدمة الأولى لرأس النظام وأركانه.

ولهذا لم يك مدهشاً عبور السويداء لضفة الأحرار فحسب بل ضربة موجعة ، بأن تسقط أولى القلاع الحصينة جنوب سورية وأن تلتحق بقلاع الثورة مشكلة  سوراً عظيماً يحمي عروبة سورية ويحررها من رجس الاحتلال.

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: