
الدكتور محمد حبش
مفكر اسلامي
حماة الديار
تشتعل المنطقة لهيباً وناراً كما لم يحصل منذ خمسين عاماً، وتتجدد المقصلة الإسرائيلية المتوحشة ضد الشعب الفلسطيني بعد عملية فدائية قتل فيها الفلسطينيون لاول مرة مئات الإسرائيليين من عسكريين ومدنيين وتم أسر عشرات من الإسرائيليين في واقعة غير مسبوقة، لا زالت تنذر بأفظع التطورات، وقد أدت خلال أسبوعين إلى تدمير نصف غزة على رؤوس ساكنيها، كاشفة عن دول كبرى منافقة فاجرة تبرر للإسرائيلي جرائمه الرهيبة ولا ترى شيئاً من أطفال فلسطين.
ومع أنني ضد الحرب على طول الخط، ولست معجباً بالعملية الفدائية الحماسية، ولا تحقق لي مشاهد المأسورين او المقتولين أي نهمة شخصية، فالموت هو الموت، والدم هو الدم، والمدنيون أبرياء في كل مكان في العالم.
ولكن السؤال الذي أريد طرحه، يتزامن مع مرور خمسين سنة بالتمام والكمال مع آخر مواجهة حربية بين النظام وإسرائيل، في حرب تشرين، وكأنما جاءت هذه العملية لتدق جرس نصف قرن من الزمجرة الصوتية والغضب الإعلامي فيما تسرح إسرائيل وتمرح على طول فماذا أعد النظام لهذا اليوم الموعود؟
منذ ستين عاماً ومع وصول البعث إلى السلطة أعلن البعث أننا سنشد الأحزمة وسنتخلى عن الرفاهيات، والرفاهيات هنا باتت تشمل الكهرباء والماء ورغيف الخبز، ولكن كل ذلك ضروري للمعركة، وعلينا الصبر، ونسيان المطالب المشروعة بالحرية والعدالة والمساواة وتداول السلطة فنحن في معركة مصير ولا صوت يعلو صوت المعركة والنصر قادم، والطاقات كلها مخبوءة للمواجهة المحتومة.
منذ ستة عشر عاماً وبالتحديد منذ سبتمبر 2007 عاماً قصفت إسرائيل بسبعة عشر طن من المتفجرات كما يروي اليعازر شكدي قائد سلاح الجو الإسرائيلي آنذاك موقع الكبر السوري بدير الزور، ومنذ ذلك التاريخ تقوم الطائرات الإسرائيلية بقصف مواقع مختارة في سوريا، في حملة بدأت بشكل سنوي تقريباً ثم صارت تتم كل شهر، ثم تحولت إلى برنامج أسبوعي ومؤخراً صارت حدثاً يومياً، يقتل فيه السوريون وتدمر إمكاناتهم، وسط زمجرة من النظام تحولت في الأشهر الأخيرة إلى مجرد حسبلة وحوقلة، مع الوعيد بالرد في المكان والزمان المناسب.
لم يفعل جيش سوريا شيئاً مع العدو المحتل الغاصب القاصف، وظل الجيش مختصاً بالقتال الداخلي، وتدمير المدن السورية وهو لعنة لم تتوقف منذ بداية الثورة، ولا تزال تلتهب، وفي الشهر الأخير حظي النظام بفرصة نادرة فأطلق حممه المدمرة دون توقف حيث ينشغل الإعلام العالمي بحرب غزة، ولا وقت لدى نشرات الفضاء العربي للحديث عن إدلب وعفرين ومعاناة أهلها وعذاباتهم.
وفي ظروف المواجهات في غزة فإن إسرائيل لم تتوقف أبداً عن قصف سوريا، وتحول برنامجها في القصف إلى حدث يومي تقريباً، تدمر به المطارات المدنية بوجه خاص في دمشق وحلب، وبذلك فإن الإسرائيليين يعطون أكبر مبرر لسوريا للرد ضد الاعتداء الذي يمس أمنها واستقرارها وشعبها بكل أنواع التوحش.
ولكن أين هم حماة الديار؟
منذ خمسين عاماً يستمر تجنيد الناس للمواجهة والمقاومة، وفي حمى هذا التجنيد الكافر سحقت طاقات ملايين السوريين، وفقدوا فرص عطائهم وعملهم، ومنهم من أكمل في التجنيد الإلزامي تسع سنوات، ولكن ما هو أسوأ من ذلك كله ان يجد السوري نفسه في مواجهة دموية مباشرة مع أخيه في الوطن تحت قانون اقتل أو تقتل، فالإرهاب في كل مكان، وطريق القدس يمر بحلب وحمص والغوطة وإدلب ودرعا ودير الزور ومنبج وكل زوايا الوطن المنكوب، وانهار الاقتصاد كله تحت عنوان الاستعداد للمعركة، ومواجهة الإرهاب، وأذكر أننا ناقشنا الموازنة السورية عام 2009 وكانت 36 مليارا دولار، ولكنها هذا العام كانت فقط ملياراً واحداً!!!
كل ذلك من أجل المعركة والاستعداد للمعركة، وطبق النظام حرفياً مقولة اللئيم العتيق إذا كان في مسدسك عشر رصاصات فأطلق تسعة على رفاقك وزملائك المخالفين باعتبارهم خونة وادخر لعدوك رصاصة واحدة!!!
من المؤسف أنه أطلق العشرة كلها في وجه المخالفين له وعوائلهم وقراهم ومدارسهم ومشافيهم ولم يدخر أي رصاصة لعدوه!
اليوم تلتهب جبهة غزة ، وتشتعل الضفة أيضاً، وحتى جبهة لبنان فهي تطلق صورايخ داشرة محدودة، ولكن الجبهة الهادئة المأمونة المستقرة هي الجبهة السورية.
ألا يوجد في إسرائيل إرهابيون؟ ألا يوجد في الجولان أرض مغتصبة؟ ألم يقم أحد في إسرائيل بإلقاء شوكة في الأراضي السورية؟؟ ألا يوجد سب وجه للرد على جرائم إسرائيل على الأراضي السورية؟؟ ألا يوجد لدى حماة الديار قوة تعادل الكتيبة الفلسطينية الغزاوية التي أشعلت الأرض تحت الصهاينة؟
كم كنت أتمنى أن يجيب النظام بصوت العقل والمنطق فيقول إن سوريا بلد سلام ومحبة وهي لا تستخدم العنف والسلاح والقصف، وهي تحرص على السلام مع خصومها، ومن أجل ذلك فإنها تتجنب الحروب، وسنطلق فريقاً دبلوماسياً محترفاً لصناعة السلام، ونحن نتطلع إلى سلام استراتيجي مع إسرائيل وأمريكا وتركيا حيث علاقاتنا كذلك مع العالم كله!!
إنني بدون أي تردد سأفرح بخطاب كهذا تقدمه حكومتي حتى ولو كان في هذه الأيام الرديئة، فالسلام غاية كل سعي نبيل، ولا يوجد أي أمل لقيام سوريا وعودتها لبلد صالح للحياة إلا عبر برامج سلام حقيقية، تكفر بالعنف وكل مفاعيله وآثاره وممارساته.
ولكن كيف يمكنهم أن يجيبوا بهذه الطريقة؟؟؟؟ إنهم لم يتوقفوا منذ خمسين عامأً عن الاعتقال والتعذيب والتخوين لآلاف السوريين، ومارسوا حروباً متعددة باتجاه لبنان، وباتجاه إدلب وحلب وحمص ودرعا ولم يتوقفوا منذ ثلاثة عشر عاماً عن قصف مواطنيهم في كل اتجاه، ولو وجد معارض واحد مسلح في بلدة سورية كما قال المفتي حسون فإنه يجب إبادة البلد التي لجأ إليها بالكامل بمن فيها من بشر وشجر وحجر!!! تشهد على ذلك داريا وحمص ودوما وإدلب ودرعا وغوطة دمشق وألف موقع في الجغرافيا السورية، حتى يمكنك القول بدون تردد إن سوريا يغلي فيها الإرهاب في كل مكان، إلا في الجانب الإسرائيلي الأنيق.
ليست هذه دعوة للحرب الجديدة، وأنا شخصياً ضد كل حرب بما فيها عملية غزة، ولكنه سؤال نوجهه لنظامنا المقاوم الممانع والمزمجر، ألم يحن الوقت للاعتراف أمام الشعب ببؤس سياسة العداء والكراهية التي مارسها ضد شعبه وجيرانه بكفاءة نادرة في كل اتجاه إلا في اتجاه إسرائيل!
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها