
حمزة ابو حمدان
كاتب وصحفي سوري
لعنة الجغرافيا والأنظمة
لا بد ونحن نعيش ، غلة للموت ، في هذه البقعة الجغرافية اللعينة ، أو الموبؤة ، أو المخطط لها ألا تنعم بالهدوء والاستقرار ، أن نلعن الجغرافيا، والموقع الاستراتيجي ، ولا غرابة أن نلعن النفط والثروات الأخرى ، وكذلك طرق التجارة الدولية ، ومبادرة الحزام والطريق ، والسيل الشمالي ، والجبال والأنهار والبحار ، وفي قمة الغصب قد نلعن موطن الحضارات ،والاثار ، وحتى الشمس ، وفصول السنة.
فماذا جنينا من وراء هذا كله ، أو ماذا كان نصيبنا من هذه الخيرات أو الميزات . ؟
الحروب والموت والتشرد والفقر ، لم ننعم يوما بالهدوء ، نخرج من تحت احتلال، لندخل تحت نفوذ ووصاية ، حتى في ثوراتنا و حروبنا نكون ضحايا وأدوات ، أو وقودا في محارق مشاريع وأهداف الأخرين…!
مشكلات وكمائن ، وضعت عند تفصيل الحدود ، من قبل المستعمرين ، كي تبقى كقنابل موقوتة تطل برأسها كلما دعت الحاجة .
سطوة للدول الاقليمية، وتدخلها المستمر في شؤوننا واستباحة أرضنا وسيادتنا ومياهنا ، خدمة لمشاريعها وأهدافها .
وكي تكتمل اللعنة ، فقد فرضت علينا ، أو ابتلينا بأنظمة ، هي في الحقيقة ، خارج التوصيف ، فلم نأل جهدا في البحث ، كي نجد توصيفا دقيقا لها ، فلم نجد .فاثرنا ان نطلق عليها :”أنظمة” مافيوية أمنية متوحشة . تستأسد على شعوبها ، وتكون أمام الخارج مثل الارنب .
نسوق هذا عند مقاربة طبيعة التعاطي العربي مع الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني .
وانكشاف خديعةالعداء لإسرائيل ،حيث ثبت بالدليل القاطع أن الأيام تكذب هذه الأنظمة .
فلعبة العداء لإسرائيل تتكرر بأشكال مختلفة بسناريوهات متقاربة ، وعندما تُحَدد الأهداف ونبقى بلا نتيجة ، تغير المعادلات ، نبتلع ما حدث ولا تعنينا آلام الفشل الذريع الذي حصل، وكلها تُصنف على أنها محاولات جلبها “العدو الغاشم” ونحن خارج مجال المراجعة والنقد ، بل تبدأ حلقات البطش بمن يتابع كشف أسرار ما حدث، ويصور كأنه المسبب لكل ما تمر به الأمة، وعليه تقع المسؤولية.
لكن بما أن حبل الكذب قصير، كما يقول المثل العربي الدارج، فإن الشعارات التي رفعها هذا البلد أو ذاك زوراً وبهتاناً بدأت تنهار أو تسقط فوق رؤوس رافعيها بالجملة لأنها كانت مجرد شعارات فارغة لا ترتكز على أسس صادقة. ولا داعي للإشارة إلى أن بعض تلك الأنظمة المتاجرة بالقضية الفلسطينية سقطت عاريةً ولم يبق لديها أية ورقة توت لستر عوراتها النافرة. فقد تبخرت كل شعاراتها ليس بسبب تكالب القوى الخارجية على إفشالها كما يدعون بل لأنها رفعتها في الأصل لأغراض سلطوية لا تخفى على أحد.
لقد اتسمت كل حروبنا المزيفة بمثلها من النهايات والنتائج ، وكان إعلامنا هو جزء من الزيف المرسوم مسبقاً، حقب غبية من الزمن خضعت لرغبات القومجية العسكرية جعلت “الأمة” أسيرة العمل الارتجالي المتخلف لحملة شهادة البكالوريا ، ومنعت عنها الاستفادة من حريات التفكير العقلاني.
حقب لم نعرف من السياسة الا الدسائس والمؤامرات والتصفيات والتدجين والمتاجرة بالقضايا القومية والتغني بالشعارات الطنانة .
لم تعرف قضية عادلة على مستوى العالم المساومات والتجارة بها، كما عرفت القضية الفلسطينية.
تجارة مربحة للأنظمة الدكتاتورية، و تجارة رابحة للإسلام السياسي وللإيمان الزائف، وهي مكاناً للتلاعب والقذارة للغرب والشرق معاً، والضحية شعب فلسطيني اعزل ترتكب بحقه المجازر ويشرد من أرضه ،ويحل محله من يبحث عن موطئ قدم بعد أن كان منبوذاً هائماً في بقاع العالم.
لقد فعلت السياسة وآلة الحروب والحقد العربي و”المؤامرات” والخطاب المظلل بالفلسطينيين كل شيء لأغراض العرب قبل غيرهم، لقد فعل العرب بالفلسطينيين قتلاً وتنكيلاً أكثر بمرات ما فعل بهم الاحتلال الصهيوني ، والثمن هو البقاء على سُدة الحكم ولا تعكير الصفو ، فالصلاة وراء الغرب أدسم وكفى المؤمنين شر القتال.
ربّما قتل حزبُ الله وفيلق القدس الإيراني الفلسطينيين في مخيّم اليرموك لأجل القُدس ، بل لقد تقاتلت الفصائل الفلسطينيّة ذاتها خدمة لأهداف الاخرين ، فقتلت مواطنيها الفلسطينيين دفاعاً عن القدس.. وحدها البراميل كانت عادلة لا تميّز بين سوري وفلسطيني، ولا بين مقاتل ومدني، تبيد أحياء ومدناً سوريّة كاملةً دفاعاً عن الوطن!.
أما الفلسطيني ولافرط ما أحبه اشقاءه ،قتلوه فمن الحبِّ ما قتل، أو شرد المحبوب وتركه يواجه مصيره تائهاً في بلاد اللّجوء أو الشّتات، على قلقٍ يقلّبُ الأيديولوجيّات وتقلّبه، وأحيانا تسقط كل الأيديولوجيا عندما لايجد الفلسطيني قشا كي ينام في هذا العالم المتباكي على قضيته او المستثمر في دمه .
وفي محاولة للهروب من هذا الواقع ؛ اختار احدهم أن يختبئ خلف الأصابع، وآخرٌ لم يجد ما يستر به عورته؛ سوى ورقة التوت..
فيما ثالثٌ عندما أرادَ النجاة؛ استعان خلال غرقه
بقشةٍ ستكون هي الاخرى دائما عرضة في مهب الريح في هذه المنطقة بالذات منطقة الشرق الأوسط بالذات ،التي ستظل ملتهبة بالصراعات السياسية والاقتصادية والطائفية والعسكرية ، في سلسلة ممتدة في عمق التاريخ . وما يحصل اليوم في غزة هو فصل من سيناريو طويل في سياق الصفقات التي تعثرت والتي قد تكون الحروب مناسبة لاعادة احيائها ،على سبيلِ الهشاشة ، وقلة الحيلة؛ او محدودية الخياراتُ .
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها