العميد محمد العبيد

المجلس العسكري السوري

اختلال الأخلاق

يبدو أننا نعيش اليوم في أزمة حقيقية أبوابها تتسع كلما أمعنا النظر في مجرياتها ، وهذه الأزمة المستفحلة ليست وليدة اليوم ولا الأمس القريب بل هي سليلة نظام عالمي صنع وأبدع في سحق الإنسان أياً كان هذا الكائن وأياً كان معتقده المهم في الأمر هو الاستفراد بحقوق الإنسان وجعلها سلعة قابلة للتفاوض .

إن الأزمة الحالية ليست أزمة مالية خانقة بمعناها وطابعها المالي بل هي أصعب الأزمات التي تعصف بالبشرية جمعاء طالما جُرِدَ الإنسان من منظومة أخلاقية توجته ليكون إنساناً حراً كلياً ، وهنا علينا الوقوف أمام توصيف الحالة بشكل صحيح وكذلك ما يُسوِرنا من كل الاتجاهات والذي لا يهددنا فحسب بل يستهدفنا كأفراد وجماعات تعيش على هذه الأرض وبالتالي فإن الأزمة الأخلاقية التي نراها لا تضيق لكنها بكل تأكيد تتسع ولن تختفي لأنها حتما ستزداد تمدداً على حساب إنسانية الإنسان والتي ستتوحش على حساب ما تبقى من قيم وأخلاق .

وهذا ما يحتم علينا القول بأننا اليوم اما حالة من الاختلال الأخلاقي غير المبرر تجاه شعوب وبلدان كثيرة لأننا جميعاً أمام نتائج ظواهر استعمارية تمددت وعاشت ردحاً من الزمن تسرق من محيط الأرض لمدة تجاوزت الخمسمائة عام من عمر الإنسان واليوم نراه زاهراً من حمرة الدم العربي وقد استيقظ مجدداً يطلق رائحة الموت مبدداً صفاء الأرض المعهودة بغبار قنابله وصواريخه التي لا ترحم والتي عطلت كل أشكال الحياة معلنة أنها هي صاحبة الطلقة الأخيرة على صدر الإنسانية .

لقد كان يوم أمس حافلا في مجلس الأمن الدولي والذي تتشاطره قوى عالمية جعلت من حقوق الشعوب المقهورة والمحتلة بقوة السلاح ومن أجساد أبنائها تراكمات كطبقات الأرض تداس بجيوش هؤلاء لتعلن أخيراً انتصارها على أشلاء ما تبقى من أطفال ونساء وشيوخ نعم لقد شكل القرار الروسي الذي حمله بيده الملطختين بدماء السوريين أحد أهم المفارقات الأخلاقية وهذا ليس غريباً عن روسيا صاحبة نظرية نتف الدجاجة ، حيث يبدو القرار في مضمونه وفي طياته ما يجعل من الإنسانية تحلق عالياً في فضاء الساقطين أخلاقياً وهي بالطبع جزء أساسي منه ، لا ليظهرها حقيقة ساطعة بل ليرميها مجدداً على ظهر هذه الأرض التي اكتنزت من ضحايا أبنائها ، فكان القصف الروسي اليومي على ريف ادلب والذي لم ينقطع دليلا واضحا على مدى صلفها وحقدها وسقوطها الأخلاقي .

إن استعراض ( البوم ) الصور الذي لا تكاد صوره تنقطع لا بل لا تتكرر مطلقاً فكل ساعة هناك صور لأجساد مقتولة هنا وهناك هو جزء من استراتيجية اختلال الأخلاق والذي من المفترض أن يحمل في طياته صرخات تحذيريه بأن منسوب الأخلاق استنزف وما تبقى لن يحيي الإنسان من جديد .

وأخيرا لابد من التذكير بأن الدول المعنية بمجلس الأمن والمناط بها مسائل المحافظة على الأمن والسلم الدوليين هي أحد أهم عوامل عدم الاستقرار العالمي فحروبهم  لا تكاد تنتهي  وميزانهم الدولي لمعالجة القضايا المهمة لا تُكال بمكيال واحد بل وضعت مكاييل على عدد أصابع يدها تكيل كيف تشاء ومتى تشاء .

المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها.

%d مدونون معجبون بهذه: