
صفاء شاوي
اكاديمية سورية
في الشباب أملنا
أين نحن مما يجري حولنا ؟ وما هو حال شبابنا وحالنا معهم؟ وماذا أعددنا لهم من أدوات تساعدهم على أخذ مواقعهم أسوة بشباب العالم في مضمار الرقيّ والحضارة, شبابنا اليوم إما أن يكونوا الأداة الأولى في بعث نهضة حديثة لدولنا وشعوبنا وإما أن يتحوّلوا إلى وسيلة لتدمير ما بنته الأجيال السابقة من حضارة وليس أمامنا كثير من الخيارات والوقت لنفكّر ونقرر فنحن والزمن في سباق مميت وعلينا أن نبدأ بوضع قضيتهم في مقدمة المسائل الوطنية ونشرع في وضع الحلول وتطبيقها لمصلحة جيل الشباب هذا إذا أردنا أن نجتاز حاضرنا إلى مستقبلنا بأمان وعلينا أن نعيد تنظيم مجتمعاتنا وحياتنا وفق واقعهم وحجم قوتهم ومدى تأثرهم بما يجري من حولنا في العالم وأن نعترف بأن شبابنا لن يكونوا أقل تأثّراً بالدور الذي يقوم به نظراؤهم في بقية دول العالم المتحضر ثقافياً وعلمياً وتكنولوجيا فهم يراقبون وسيحاولون أن يكسروا قيود الواقع ويتمرّدوا عليه ، ومؤشرات التمرّد بدأت منذ فترة وبأشكال مختلفة وحسب ظروف كل بلد يعيشون تحت مظلته ولكي نتدارك الوضع وقبل أن يتجاوزنا الزمن لابد من الاعتراف أولاً بأن نوعية تعليمنا ومستواه لا يتناسبان مع العصـر وطموحات الشباب فالعالم من حولنا يتحدث بشـكل دوري عن (نوعية التعليم) الذي يحتاج إليه في كل مرحلة من التطور المجتمعي وربط هذا التعـليم بتطوّر الحياة في مجتمعاته في الوقت الذي نتحدث نحن في مجتمعاتنا عن الأميـّة وتزايدها وتدهور مدارسنا وتسـرّب أطفالنـا من المدارس الذي وصل عددهم في بعض الدول العربية إلى ملايين من الأطفال خارج المدارس ، فالمجتمع العربي يمر بتغيرات جذرية عميقة شملت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ورغم ما يبدو في العديد من النظم العربية من ثبات ظاهري على قمة الهرم السياسي فإن المجتمع العربي يمر بتيارات عنيفة من التغيرات ولعل أكثر المتأثرين بهذه التغيرات المتلاحقة هم الشباب ونعني بالشباب هنا تلك الفئة العمرية التي تمتد من سن 15 إلى 30 من العمر، المرحلة التي تشهد تحوّلات وتغيرات جوهرية في اهتمامات الشباب وسلوكه الاجتماعي واتجاهه نحو الاستقلال والفردية ولعل هذا ما يخلق التناقض بينه وبين البيئة التقليدية التي تحيط به فهو يريد أن يحرر نفسه من قيود الأسرة والمدرسة التي قيّدته طويلاً يريد في تلك المرحلة أيضاً أن يختار محيطه الاجتماعي الذي يندمج فيه ويتكامل معه ويكون قادراً على اتخاذ القرار وتحقيق ذاته المعنية بعصر العولمة وقضاياه ومشكلاته فالعولمة مشروع كوني للمستقبل كما يطمح واضعوه ومفكّروه والداعون إليه لذا فإن الجيل الجديد هو الأسبق بالتعاطي مع هذه العولمة وأدواتها, فالكمبيوتر والإنترنت وشبكات المعلومات المعقدة أصبحت في متناول أيدي الشباب في سهولة ويسر بينما تعتبر هذه الأشياء بالنسبة للأجيال الأكبر سناً معضلة لا حلّ لها كما أن الأنماط التي تطرحها (العولمة) من عادات ثقافية موجّهة بالدرجة الأولى لجيل الشباب لأنهم الأقدر على الاستجابة والتقبّل السريع لأي مفاهيم جديدة خارجة عن المألوف خاصة إذا كانت تقدم لهم بوسائل باهرة وبطرق تقنية تؤثر في نفوسهم ، إن أجيالنا الشابّة تشكّل اليوم نسبة غالبة في الدول العربية من مجموع السكان وتدل الإحصاءات في الدول كثيفة السكان على أنهم يمثلون ثلث السكان أما في الدول العربية مرتفعة مستوى المعيشة فإن هذه النسبة تزداد إلى أن تصل أحياناً إلى النصف نظراً لقلة وفيات الأطفال بها وارتفاع درجة الوقاية الصحية والغذاء نحن إذاً أمام عشرات من الملايين من الشباب يتوقون إلى الأداء السريع وإحراز النتائج الفعّالة أي أنهم يريدون أن يقفوا بعالمنا العربي على أبواب القرن الواحد والعشرين في الوقت الذي يعاني فيه هذا العالم كثيراً من تقاليد قبلية وفئوية وطائفية خانقة وتخلّفاً وفساداً مستشرياً في العديد من البنى السياسية والاجتماعية ومن محاولات مستميتة لإبعادهم وتهميشهم من أطر الحكم السائدة فشباب العالم العربي الذي يمثل ثلثه أو نصفه مازال يخضع لأنظمة تعليمية واجتماعية غير صالحة للعصر الذي يعيشون فيه ولا تلبي أدنى مطالب حياتهم اليومية فلا تزال المناهج التعليمية والمقررات الدراسية تنتمي لما قبل عصر المعلومات والاتصال والعولمة الجارفة ولا نزال نتوجس ريبة من الشباب وأفكارهم وطموحاتهم ونضع الحواجز أمامهم لكبح جماح رغباتهم ومحاصرة طموحاتهم ومازلنا ندفع بأعداد كبيرة منهم وخاصة المتعلمين إلى البحث عن مجتمعات جديدة تفتح لهم مجالاً لتحقيق طموحاتهم وتلبي رغباتهم وأحلامهم, فامتصت الدول المتقدمة نخبة المتعلمين والطموحين والجادّين من شبابنا العرب وصلت أعدادهم في بعض الدول إلى عشرات الآلاف ومَن بقي حبيس مجتمعاته العربية تحوّل إلى أدوات متفجّرة سياسياً أحياناً واجتماعياً أحياناً أخرى فجزء منه انجرف وراء الجريمة والمخدرات والكحول وهو جزء لا يستهان به في بعض دولنا العربية وجزء كبير جذبته قوى التطرف وتحول إلى أدوات حادة ومعاول هدم لمجتمعاتهم ودولهم وهذه ظاهرة لا ننفرد بها وحدنا بل هناك كثير من المجتمعات التي فقدت زمام قيادة الشباب ، انجرف شبابها إلى مصائد التطرف والعنف وعالم المخدرات والكحول ، والإحصاءات تشير إلى بلد مثل سورية كيف أغرقها تاجر الكبتاغون بشار الأسد بكل أنواع المخدرات بين جيل شباب المدارس والجامعات ، فتجاهل قضية الشباب في مجتمعاتنا العربية وعدم معالجة ما يلاقيه الشباب من تدهور في مناهج التعليم وابتعادهم عن الاهتمام بالسياسة وجهلهم بتاريخ أوطانهم وموقف اللامبالاة مما يجري حولهم هو نتيجة حتمية لسياسات التجاهل لمواجهة قضاياهم وقد حوّلتهم تلك المشاعر المتناقضة في داخلهم إلى مخزن يغرف منه كل من لديه مصلحة خاصة في تجنيدهم واستخدامهم وقد أكّدت الدراسات التي أجريت في العديد من الدول العربية وبين مختلف الطبقات الاجتماعية هذه النتيجة لهذا فإن الشباب العربي يعيش أزمة حقيقية ولابد من مواجهة هذا التدهور وإعادة النظر في فلسفة التعليم عندنا والتحوّل من أسلوب الحفظ والتلقين من دور الطالب متلقياً وقابلاً ومطيعاً لما يلقّنه إياه معلمه إلى فلسفة التعليم عن طريق الحوار والمناقشة والتدريب على التعلم الذاتي وأن ندمج التعليم بالثقافة بشكل متواز وأن تصبح برامج الثقافة جزءاً من مناهج التعليم بكل أنواعها ومن ثم لابد من إقحام الشباب للمشاركة وسماع رأيهم في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتوسيع دورهم في المشاركة في كل ما يتعلق بحياتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم وأن يمثل الشباب في المؤسسات الديمقراطية والتشريعية ويفسح في المجال لسماع مقترحاتهم والأخذ بها عند التطبيق فالثقافة السياسية جزء وشرط مهم في ثقافة الشباب إن أردنا تدريبهم وتأهيلهم للقيادة في مرحلة لاحقة ونحن بهذا ندخلهم في نسيج المجتمع بدلاً من أن يتحوّلوا إلى أدوات للهدم والتخريب ، فوضع ثقافة متوازنة للشباب تراعي تراثهم وتاريخهم الوطني والقومي وتسعى للحاق بالثقافة الحديثة المنفتحة على العلم والتكنولوجيا والفلسفة المعاصرة المتطلعة إلى مزيد من الكشف عن الكون وأسراره أمر لا مفر منه وأن ندرّبهم على اكتشاف ثقافة الشعوب والأمم المعاصرة ليتمكّنوا من التعامل والتفاعل معها في هذا العالم الذي بدأت تتشابك فيه تلك الشعوب بثقافاتها المختلفة على درب التعاون والتلاقي والاندماج في ثقافة كونية تسعى لإشاعة السلام في العالم وتحتفظ في الوقت ذاته لكل شعب بخصائصه وعاداته وتقاليده وتراثه الديني والقومي ضمن حركة التفاعل مع الثقافات الأخرى فشبابنا اليوم يسعى خلف الإعلام الخارجي باحثاً عن الحقيقة التي بدأ يشك في صدقها في إعلامه الرسمي متصوّراً أنه سيجدها عند الآخر, وهذا بداية الانسلاخ الثقافي وفقد الثقة في ثقافته والقائمين على تسيير شؤونه ومؤشراً إلى سهولة السقوط تحت تأثير أي إعلام معاد له ولوطنه وتراثه الثقافي والحضاري, وسنرتكب أخطاء أكثر إن نحن تصوّرنا أن بإمكاننا الاستمرار في إبعاد جيل الشباب عن المشاركة الكاملة في إدارة شؤون حياته ورسم مستقبله فالشباب هم مستقبل الغد وذخر الوطن لذا علينا الاعتناء بتنشئة ما بين أيدينا من أجيال نضمن غد وطننا الغالي الذي لا يستحق منا إلا الخير, وصدق الشاعر حين قال :
إذا أنا أكبرت شأن الشباب فإن الشباب أبو المعجزات
حصون البلاد وأسوارها إذا نام حراسها والحماة
المقالات المنشورة ضمن موقع المجلس العسكري السوري لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس, انما تعبر عن رأي كاتبها